مجتمع

إليشا يريد.. قاتل بدرجة سياسي

نشر

.

Muhammad Shehada

جيب أبيض توقف أمام منزل فلسطيني في قرية كيسان بالقرب من بيت لحم، في الأول من أغسطس العام الماضي، ترجل من المركبة مستوطنان إسرائيليان واقتحما المنزل، وسرقا وأتلفا معدات زراعية بعشرات آلاف الشواكل، بينما رصدت كاميرات المراقبة الحادث كاملاً.

يبدو أنهما لم يلقيا بالاً للكاميرات، بل اقترب منها شاب عشريني ذو لحية طويلة، وحدّق بها عن قرب كاشفاً وجهه بالكامل ثم استكمل تخريب المنزل.

بعد أسبوعين ظهر أحد المستوطنَين في محكمة الصلح في القدس، شاب يدعى إليشا يريد، 22 عاما، وهو ناشط يميني متطرف بارز من مجموعة شباب التلال التي يصنّف جهاز الشاباك الإسرائيلي بعض عملياتها باعتبارها "أعمالا إرهابية". لكن القاضي رفض اعتبار تلك الحادثة جريمة عنصرية ضد الفلسطينيين واكتفى باعتبارها "جنحة منخفضة المستوى" ليفرج عن الشاب، مقابل وضعه تحت الإقامة الجبرية.

لم يكن هذا أغرب ما في القصة، فبعد ثلاثة أشهر على تلك الحادثة، عيّنت نائبة الكنيست عن حزب "القوة اليهودية" الشريك في الائتلاف الحكومي، ليمور سون هار ميليخ، الشاب إليشا متحدثاً باسمها واسم الحزب، ومساعداً لها، على الرغم من ارتكابه العديد من الجرائم ضد الفلسطينيين، حتى أن الشرطة الإسرائيلية قررت إبعاده عن الضفة الغربية عندما كان عمره 15 عاما فقط بسبب عمليات عنف نفّذها ضد فلسطينيين.

اليوم ٩ أغسطس، سيقف إليشا للنظر في تجديد حبسه في قفص الاتهام، كواحد من مرتكبي جريمة قتل مراهق فلسطيني في قرية برقة والتي وصفتها وزارة الخارجية الأميركية "بهجوم إرهابي" ضد الفلسطينيين، وهو وصف نادر الاستخدام من الولايات المتحدة ضد إسرائيل.

ما الذي حدث؟

في مساء الجمعة ٤ أغسطس، أصاب الفزع سكان قرية برقة شمال نابلس عندما رأوا مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين المدججين بالسلاح قادمين لمهاجمة قريتهم. بدأ المستوطنون رمي الحجارة، ثم أطلقوا النار تجاه الفلسطينيين ليصاب الشاب قصي معطان بالرصاص وتعلن وفاته من مجمع فلسطين الطبي في رام الله، وفقاً لشهود العيان الفلسطينيين.

سكان القرية من الفلسطينيين ردوا بإلقاء الحجارة على منفذي الهجوم ليصاب أحدهم ويُنقل إلى المستشفى.

في اليوم التالي وضعت الشرطة الإسرائيلية المستوطنَين إليشا يريد، ويحييل إندور رهن الاعتقال كمشتبه بهما "بالتسبب في الوفاة إما عن قصد أو عن طريق الإهمال" وهي جناية تعادل القتل.

وفي نفس اليوم ظهر إليشا في محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس في القفص وعلى وجهه ابتسامةٌ كبيرة، بينما حكم القاضي بتمديد حبسه حتى اليوم ٩ أغسطس، مع استمرار التحقيق في القضية. أما يحييل فلم يتم استجوابه بعد حيث يُعالَج في إحدى المستشفيات بعد إصابته بحجر في رأسه.

الحادثة فجرت صخباً كبيراً في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني نظراً لأن إليشا، كان يعمل حتى شهر إبريل الماضي، متحدثاً رسمياً باسم حزب عوتسما يهوديت، أو القوة اليهودية، وأحد المقربين من رئيس الحزب ووزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، وهو ما دفع الوزير الفلسطيني حسين الشيخ للمطالبة بإدراج الحزب على قوائم الإرهاب دولياً.

دعم حكومي "شبه كامل"

على الناحية الأخرى، سارع الوزير بن غفير، المدان إسرائيليا بجرائم تحريض عنصري ودعم منظمة إرهابية، بالدفاع عن قتلة الشاب قصي عندما قال "اليهودي الذي يدافع عن نفسه والآخرين ضد قتل الفلسطينيين، ليس مشتبهاً به في جريمة قتل، لكنه بطل سيحصل على دعمي الكامل". مؤكدا أحقيته في الحصول على "وسام شرف للشجاعة".

انضم إلى قائمة الداعمين، وزير التراث الإسرائيلي عميشاي إلياهو، الذي قال عن الحادثة، التي وصفتها الخارجية الأميركية بالإرهابية، إنها كانت مجرد دفاع عن النفس، وهي الرواية التي كررتها نائبة الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، ليمور ميليخ، فيما زارت طالي غوتليب، المستوطن يحييل في المستشفى للتعبير عن دعمها له والوقوف إلى جانبه، وكذلك زاره النائب عن حزب القوة اليهودية، تسفي سوكوت، وظهر ممسكاً يده في المستشفى.

تسفي سوكوت واجه اتهاما من الشرطة الإسرائيلية بإحراق مسجد فلسطيني.

إليشا يبني.. والجيش يهدم

"جئنا للاستيلاء على كل سنتيمتر من الأرض" هكذا أخبر أحد المستوطنين صحيفة زمان العبرية من بؤرة رامات ميغرون الاستيطانية شمالي شرق القدس شهر سبتمبر من العام الماضي، بينما ظهر وجه إليشا يريد، كغلاف تلك القصة باعتباره أحد قادة "حراك شباب التلال" الذين أسسوا تلك البؤرة التي صنّفها القضاء الإسرائيلي "غير قانونية".

على الرغم من هدم الجيش الإسرائيلي تلك البؤرة غير المرخصة ثلاث مرات في شهر واحد، إلا أن إليشا ورفاقه استمروا في محاولة بنائها مجددا، قائلين إنهم سيستمرون في بنائها مئات المرات، خاصة مع إقبال أعضاء بارزين من الكنيست على زيارة البؤرة وتقديم الدعم مثل النائب بتسلإيل سموتريش الذي أصبح في شهر ديسمبر ٢٠٢٢، وزير المالية الإسرائيلي.

الشاب إليشا معروف لجهاز الشاباك الإسرائيلي، فهو من مؤيدي الحاخام المتطرف مائير كاهانا مؤسس حركة كاخ، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، ونفّذ أحد أعضائها عملية اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين عام ١٩٩٥.

على الرغم من أن إليشا لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، إلا أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلته 17 مرة، آخرها شهر أغسطس الماضي قبيل تعيينه متحدثا باسم حزب القوة اليهودية، وأبعده الجيش الإسرائيلي عن الضفة الغربية لعدة مرات بأمر إداري، استمر أحدها أربعة أشهر، بسبب "أنشطته المتطرفة واعتباره خطرا أمنيا" بحسب الجيش.

ظهر إليشا في إحدى المقابلات مع صحيفة يديعوت أحرونوت شهر يونيو الماضي وهو يدعو لارتكاب "هجمات انتقامية" ضد الفلسطينيين "مثل التي نفذتها الوحدة 101"، وهي وحدة من الجيش الإسرائيلي أسسها الجنرال آرئيل شارون العام 1953، لتنفيذ هجمات اعتبر إحداها في قطاع غزة "قتلا جماعيا متعمدا"، وبعد شهرين من تلك الواقعة، ارتكبت نفس الوحدة "مجزرة قبية" في شهر أكتوبر 1953، حيث راح ضحية تلك الهجمة نحو 60 شخصا من سكان قرية قبية في الضفة الغربية بعد تفجير 45 منزلا، بحسب الدورية الدولية لدراسات الشرق الأوسط بجامعة كامبريدج.

إليشا أشار لمجزرة قبيا وعدد الضحايا الكبير باعتبارها إنجازا مهما يجب تكراره ضد نفس القرية "لتذكير العدو من جديد".

"النائبة ميليخ متطرفة أكثر مني"

على الرغم من التطرف الذي اشتهر به إليشا في الأوساط الإسرائيلية، إلا أنه أشار في أحد اللقاءات التلفزيونية أن مديرته، النائبة ليمور ميليخ، أشد تطرفا منه، حيث قال "هناك أشياء أدفعها فيها نحو الاعتدال. هناك أشياء تكون أكثر تطرفا مني".

النائبة ميليخ من أتباع الحاخام مائير كاهانا وتسكن في مستوطنة شاڤي شومرون في شمال الضفة، وتعد من أشرس نواب اليمين الإسرائيلي فيما يتعلق بتوسعة المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين.

وفي مقطع فيديو قديم انتشر الأحد ٦ أغسطس على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر ميليخ وهي تلقن ابنتها وتشجعها على قتل العرب. حيث تسألها "ماذا تريدين أن تصبحي عندما تكبرين؟ وماذا ستفعلين؟" فتجيب الطفلة "جندية. سأركب في جيب وأقتل العرب"، ومن ثم ترد الأم "ممتاز" وتقوم باحتضان ابنتها بفرح.

النائبة ميليخ شاركت في صياغة عدة قوانين تستهدف الفلسطينيين كقانون حظر إظهار العلم الفلسطيني داخل الجامعات الإسرائيلية حتى على الملابس والمتعلقات الشخصية، وقانون حظر وتجريم لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، وقانون استخدام عقوبة الإعدام ضد الفلسطينيين المدانين "بالإرهاب".

آخر القوانين التي مررتها بنجاح في الكنيست قانونا يضاعف عقوبة الاعتداءات الجنسية في حال كان مرتكب الاعتداء عربياً، حيث يتم اعتبار الجناية ذات خلفية قومية وعنصرية، أي "عملا إرهابيا".

وفي شهر فبراير الماضي، عندما أحرق مئات المستوطنين قرية حوارة الفلسطينية في هجوم وصفه الجنرال الإسرائيلي يهودا فوكس بهجوم "إرهابي"، دافعت ميليخ عن المستوطنين بوصف هجومهم "بالمظاهرة المطالِبة بالأمان"، ثم ظهرت مع المستوطنين في بؤرة أڤيتار عندما احتفلوا بالهجوم على القرية.

مصير إليشا وزميله

بحسب صحيفة هآرتس، فإن الشرطة الإسرائيلية لم تستجوب حتى اللحظة أي فلسطيني حول هجوم المستوطنين، ولم تطلب تمديد احتجاز إليشا سوى لخمسة أيام فقط، وهو ما "يدلل على ضعف ملف القضية"، بينما اعتبر الجيش الإسرائيلي "تلك الحادثة اشتباكات عنيفة" ما يعني مساواة الطرفين، بحسب الصحيفة.

في الوقت ذاته، اعتقل الجيش الإسرائيلي خمسة فلسطينيين مساء الأحد لاستجوابهم بتهمة الاعتداء على المستوطن يحييل بالحجارة.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة