اللاجئون العرب والفطر.. "فزاعة" الانتخابات البولندية

في منتصف شهر أكتوبر، تستعد بولندا لعقد انتخابات برلمانية يحتدم فيها التنافس بين كتلة "اليمين المتحد" الشعبوي المتطرف والحاكم للبلاد منذ العام 2015 وكتلة "الائتلاف المدني" الوسطية. الاتحاد الأوروبي يراقب تلك الانتخابات عن كثب ويأمل في فوز الائتلاف الوسطي للعمل على عكس سياسات الحكومة الشعبوية فيما يتعلق بتقويض السلطة القضائية وأضعاف استقلالية الإعلام والحريات العامة وتقويض الاجماع الأوروبي في العديد من القضايا.

الكتلتان متقاربتان في استطلاعات الرأي، فاليمين المتحد بقيادة نائب رئيس الوزراء ياروسلاف كاتشينسكي حصد 34.5% من الأصوات في آخر استطلاع يوم الأحد الماضي بينما حصد منافسه الائتلاف المدني بقيادة رئيس الوزراء السابق دونالد توسك نحو 31.2%. لحسم النتائج لصالحه، يستخدم اليمين الشعبوي حالياً عدة حيل للتلاعب على مشاعر الجماهير وإخافتهم.

ما أن تنحى دونالد توسك عن رئاسة الوزراء البولندية في نهاية عام 2014، سرعان ما تم اختياره رئيساً للمجلس الأوروبي الذي يمثل منصة للحوار واتخاذ القرارات المشتركة بين رؤساء دول الاتحاد. وبقي توسك في منصبه حتى العام 2019.لذلك، يسعى الحزب الحاكم لاستغلال تلك النقطة لتخويف البولنديين من أن توسك هو رجل النخبة في بروكسل وألمانيا، خاصة وأنه ينحدر من مدينة غدانسك الشمالية التي تربطها علاقات تاريخية وثيقة بالألمان.

الحكومة عملت على استخدام الاتحاد الأوروبي وألمانيا كفزاعة للوم مشاكل البلاد عليهما، والقول بأن مسؤولي الاتحاد يتدخلون في شؤون البلاد ويعملون على تقويض سيادة قرارها والإضرار بمصالحها وفرض قوانين أوروبية عليهم. في الوقت ذاته، تنتقد الحكومة البولندية ألمانيا لعلاقاتها التجارية الوثيقة مع روسيا ما قبل الغزو الأوكراني خاصة فيما يتعلق بخط نوردستريم واستيراد الغاز الروسي وترى أنه كان من باب أولى أن تقيم مثل تلك العلاقات الاقتصادية مع بولندا ودول الجوار الأوروبي. وفي العام الماضي، طالبت الحكومة البولندية برلين بدفع مبلغ 1.3 مليار يورو كتعويض عن احتلال ألمانيا النازية لبولندا في الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من ثمانين عام، وهو ما رفضته الحكومة الألمانية.

نحو نصف الشعب البولندي يرى بأن ألمانيا تستغل الاتحاد الأوروبي ضد بولندا، بينما هبطت نظرة الشارع الإيجابية لألمانيا من 72% في العام 2020 لنحو 48% في العام الجاري بحسب معهد الشؤون العامة. لذلك، يرى حزب القانون والعدالة الشعبوي الحاكم بأن ربط توسك بالاتحاد الأوروبي قد يعمل على تخويف الناخبين منه، حيث قال ياروسلاف كاتشينسكي نائب رئيس الوزراء والحاكم الفعلي للبلاد بأن "توسك هو تجسيد للشر في بولندا. إنه شر خالص". بينما حذر رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي من أن توسك "هو أكبر تهديد لأمننا. دعونا لا نسمح لتوسك، مبعوث النخب في بروكسل، بهدم أمن بولندا".

واتهمت الحكومة البولندية مؤخراً كلاً من ألمانيا والاتحاد الأوروبي بمحاولة التدخل في الانتخابات لصالح أحزاب المعارضة الوسطية واليسارية.

بولندا هي أكبر دولة منتجة للمشروم القابل للأكل في الاتحاد وفقاً للمفوضية الأوروبية، بينما يعتبر قطف الفطر في الغابات أحد الهوايات المفضلة للبولنديين وفقاً لكاتشينسكي. لذلك استعمل رئيس الحزب الشعبوي الحاكم تلك المسألة لإخافة الناخبين من أن أحزاب المعارضة ستمكن الاتحاد الأوروبي من فرض قواعده الخاصة فيما يتعلق بإدارة الغابات والمناطق الخضراء ما يعني اندثار تلك الصناعة وتقويض إمكانية قطف الفطر في الغابات، بحسب ادعائه.

المفارقة التي نقلتها صحيفة فيرتوالنا بولسكا البولندية هي أن الحكومة اليمينية الحالية هي أضرت بانتاجية الفطر في البلاد وتنوع أصنافه عبر قيامها برفع معدل قطع الأشجار المعمرة في الغابات، وهو ما يؤثر بالسلب على "ثراء أنواع الفطر التي تتطلب شروطاً محددة" بحسب ريتشارد زيتكيويتز، نائب رئيس جمعية الفطر البولندية.

وتضيف صحيفة بوليتيكو بأن محكمة الاتحاد الأوروبي العليا قضت في عام 2018 بأن بولندا خالفت مواثيق الاتحاد من خلال اتخاذ قرار بزيادة معدلات قطع الأشجار في أجزاء من غابة بياوفيجا المحمية، والتي تحتوي على آثار لآخر غابة بدائية في أوروبا.

في نفس اليوم الذي يتجه فيه البولنديون للصناديق الاقتراع، سيتم تسليمهم ورقة اقتراع ثانية غير الانتخابات البرلمانية، وهي خاصة باستفتاء شعبي تنوي الحكومة عقده حول قضايا شائكة في البلاد منها طالبوا اللجوء من الشرق الأوسط وخصخصة القطاع العام في الدولة وأمن الحدود الخارجية.

حزب الائتلاف المدني المعارض يتهم الحكومة باستعمال ذلك الاستفتاء لإخافة المقترعين ودفعهم للتصويت لليمين الشعبوي، لذلك نادى دونالد توسك بمقاطعة ذلك الاستفتاء وعدم التصويت فيه من الأصل. خاصة وأن تحالفه لم ينادِ بتغيير سياسات الدولة في معظم تلك القضايا.

بالفعل، أسئلة الاستفتاء التي اطلعت عليها بلينكس تمت صياغتها بأسلوب مضلل وعبارات متحيزة قد تعمل على إخافة الناخبين وتشويه سمعة المعارضة. فالأسئلة هي:

1. هل تؤيد بيع أصول الدولة إلى كيانات أجنبية، مما يؤدي إلى فقدان النساء والرجال البولنديين السيطرة على القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد؟

2. هل تؤيد رفع سن التقاعد إلى 67 للنساء والرجال؟

3. هل تؤيد إزالة الحاجز الحدودي بين جمهورية بولندا وجمهورية بيلاروسيا؟

4. هل تؤيد قبول آلاف المهاجرين غير الشرعيين من الشرق الأوسط وأفريقيا، وفق آلية الترحيل القسري التي تفرضها البيروقراطية الأوروبية؟

التكتل الوسطي المعارض لم يقم أصلاً بالحديث عن إزالة الحاجز الحدودي الذي بنته بولندا مؤخراً لوقف تدفق طالبي اللجوء من بيلاروسيا، بل أبدى توسك تأيده لتلك الخطوة. بينما الحكومة الشعبوية الحاكمة هي من قامت بالفعل بخصخصة عدد من القطاعات النفطية في البلاد لهنغاريا والسعودية وفقاً لصحيفة بوليتيكو.