مجتمع

تصريف "مياه فوكوشيما" قد يؤثر على أسعار السمك في بلدك

نشر

.

Muhammad Shehada

السوشي والساشيمي هم بعض أشهر المأكولات التي تخطر ببال الناس عند سماع اسم المطبخ الياباني، والأسماك هي أحد أعمدة الاقتصاد الدولة المعروفة شعبياً "بكوكب اليابان" حيث تقوم بتصدير ما يزيد عن 4 مليون طن من الأسماك سنوياً بقيمة تزيد عن 1.5 ترليون ين يباني (10,2 مليار دولار).

لكن قرار الحكومة بالسماح يوم الخميس بضخ كمية ضئيلة جداً من مياه تبريد مفاعل فوكوشيما النووي قد يقلب أحوال تلك التجارة الرائدة ويسبب انتكاسة هائلة لشركات تصدير الأسماك اليابانية. وقد يرفع أسعار الأسماك في بلدك بشكل ملحوظ.

بداية من الزلزال

في عام 2011، ضرب زلزال توهوكو سواحل شرق اليابان بقوة 8,9 ريختر تاركاً خلفه دماراً واسعاً وأكثر من ألف قتيل ومفقود وتسبب في إيقاف محطات الطاقة النووية عن العمل. الزلزال الأعنف في تاريخ البلاد ولد موجات تسونامي ضخمة بارتفاع 13-14 متر غمرت عدة مناطق من ضمنها محطة فوكوشيما النووية في مدينة أوكوما، حيث أصيبت مولدات الديزل الطارئة في المحطة بتلف أدى لانقطاع الطاقة الكهربائية وتضررت أنظمة تبريد المفاعل. والنتيجة كانت أسوأ كارثة نووية منذ انفجار مفاعل تشيرنوبيل عام 1986.

منذ ذلك الحين، عملت السلطات اليابانية على منع انفجار المفاعل عبر إحاطته بآلاف براميل المياه العملاقة التي تحتوي بداخلها على أكثر من مليون طن من الماء المستخدم في تبريد قلب المفاعل الذائب أي ما يكفي لملئ 500 حمام سباحة أولمبي. فوكوشيما يستهلك يومياً أكثر من 170 مليون طن من الماء المبرد لإبقائه آمناً، ومن ثم يتم تخزين تلك المياه في الخزانات.

لكن منطقة المفاعل لم تعد فيها مساحات كافية لبناء المزيد من الخزانات لاستيعاب تلك المياه الملوثة بمواد اشعاعية سامة، لذلك هم في حاجة للتخلص من المياه العادمة بأقصى سرعة والحل الأمثل لذلك هو ضخها في المحيط بعد معالجتها واستخراج معظم المواد الضارة فيها. إلا أن الشعب الياباني ومجموعات حماية البيئة والدول المحيطة باليابان يشعرون بالخوف المفرط تجاه الحل.

معالجة صارمة لمياه المفاعل تجعلها صالحة للشرب

بحسب الحكومة اليابانية، فإن مياه مفاعل فوكوشيما تحتوي على 62 نظيراً مشعاً مثل مادة السيزيوم التي تتسبب في سرطانات في الرئة وأنسجة الجسم. لذلك، يتم معالجة تلك المياه بشكل صارم جداً لتنقيتها من العناصر السامة، وهو ما يبطئ عملية التخلص من المياه حيث يرجح المسؤولون بأن العملية ستستغرق 30 عاماً. ولكن المشكلة هي أن هناك مادة وحيدة يستحيل استخراجها من المياه حتى اليوم وهو التريتيوم نظير الهيدروجين.

الأخبار الجيدة هي أن التريتيوم يعتبر من أقل النويدات المشعة ضراراً، وهو يحدث بشكل طبيعي في الهواء والماء موجود في أجساد الكائنات الحية، بحسب صحيفة الغارديان. المشكلة هي نسبة تركيز التريتيوم، فالتعرض لكميات كبيرة منه يسبب بعض الأضرار.

لذلك، خطة إدارة محطة فوكوشيما هي تمييع وتخفيف نسبة التريتيوم في الماء الذي يتم ضخه في المحيط الهادئ ليكون تركيزه مشابه لتركيزه في مياه الشرب أو أقل. حيث تقول السلطات اليابانية إن تلك النسبة ستكون أقل من 1,500 بيكريل لكل لتر (بيكريل هي وحدة قياس النشاط الإشعاعي). ويعتبر هذا التركيز من التريتيوم آمن بالمعايير الدولية، فكندا، مثلا، توصي بألا تتجاوز نسبة التريتيوم 7000 بيكريل لكل لتر.

وخلصت اختبارات وزارة البيئة للعينات المأخوذة من 11 نقطة بالقرب من المحطة إلى أن تركيزات نظائر التريتيوم المشعة أقل من الحد الأدنى الذي يمكن اكتشافه وهو من -7 إلى 8 بيكريل من التريتيوم لكل لتر. وقالت إن مياه البحر "لن يكون لها أي تأثير سلبي على صحة الإنسان والبيئة".

وقال مسؤول لرويترز، الأحد، إن الوزارة ستنشر نتائج الاختبارات أسبوعيا على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة على الأقل ثم ستراجع توقيت أي كشف إضافي.

وقالت وكالة مصائد الأسماك اليابانية أمس السبت إن الأسماك التي تم فحصها في المياه المحيطة بالمحطة لم تحتو على مستويات يمكن اكتشافها من التريتيوم.

أزمة ثقة

المرحلة الأولية من ضخ مياه تبريد المحطة النووية تتضمن فقط 7800 متر مكعب من أصل 1,3 مليون طن متري يتم إطلاقها في المحيط الهادئ بشكل تدريجي بطيء للغاية على مدار 17 يوم. أي ما يعادل سعة 3 حمامات سباحة. لكن على الرغم من تطمينات الحكومة اليابانية والمجتمع العلمي، إلا أن الخوف ما زال ينتاب السكان والنشطاء والدول المجاورة حول مياه فوكوشيما المعالجة. الناس ببساطة تشعر بالقلق عندما تسمع أن مياه محطة نووية مشعة ستسكب في شواطئهم وبالتالي ستدخل في أنظمتهم الغذائية اليومية، حتى وإن قالت لهم السلطات بأن تلك المياه معالجة.

مقاطعة للبضائع اليابانية

هونغ كونغ وماكاو سارعتا لإعلان إيقاف معظم الواردات اليابانية من الأسماك والطعام البحري بما في ذلك الملح البحري والطحالب، وهو ما يعتبر ضربة قوية للبلاد. وفي الوقت نفسه، قامت الصين بفرض حظر "شامل" على الواردات السمكية والبحرية اليابانية واعتبرت وزارة الخارجية الصينية قرار اليابان "تصرف أناني للغاية وغير مسؤول". الصين وهونغ كونغ يستوردان أكثر من 42% من الصادرات السمكية اليابانية.

المفارقة هنا هي أن محطة فوجشينغ الصينية النووية للطاقة في مقاطعة فوجيان تقوم بضخ مياه تبريد معالجة في المحيط الهادئ بتركيز أعلى بثلاث مرات من مياه فوكوشيما، وهو ما دفع بعض الخبراء لانتقاد الصين واتهامها بالنفاق بحسب الغارديان. العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الصين واليابان تسودها التوتر والاحتقان منذ أعوام، للتاريخ دور فيها بالإضافة للجزر المتنازع عليها بين البلدين في بحر الصين الشرقي.

وفي العام 2011، عندما وقعت كارثة فوكوشيما، قاطعت روسيا والهند وكوريا الجنوبية أيضاً الصادرات الغذائية اليابانية، ومن غير المعروف إذا كانت ستقوم تلك الدول بتكرار ذلك القرار اليوم بالتزامن مع ضخ مياه المحطة النووية في المحيط.

تقلبات أسواق الأطعمة البحرية العالمية

أسماك السالمون والتونة المحار وخيار البحر والرخويات كالأخطبوط والحبار جميعها من أهم الصادرات اليابانية من الأطعمة البحرية، وكل منها يدر على البلد الآسيوي مئات ملايين الدولارات. لذلك، اضطراب حركة الصادرات اليابانية السمكية مع دول الجوار من المتوقع أن تتسبب في تقلبات عالمية في أسعار ووفرة تلك البضائع.

الدول المقاطعة للأسماك اليابانية من المتوقع أن تتجه نحو فيتنام وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا ودول أخرى رائدة في مجال الإنتاج السمكي كالنرويج وتركيا والمغرب ومصر. الاضطراب المفاجئ في الأسواق العالمية والتنافس على السلع يدفع في العادة تلك الأسعار للارتفاع، كما حدث مثلاً مع أسعار زيوت دوار الشمس وزيت النخيل عندما قامت إندونيسيا بحظر تصديرهم العام الماضي.

لكن في الوقت نفسه، قد تستفيد بعض الدول من مقاطعة الصين للأسماك اليابانية وحالة الخوف الحالية في الأسواق من مياه فوكوشيما وتعمل على عقد صفقات تجارية لاستيراد تلك الأسماك بأسعار مخفضة، وهو ما من شأنه دفع أسعار تلك الأصناف للانخفاض في الدول المستوردة.

ففي الأسواق الكورية مثلاً، بيعت مؤخراً بعض الأسماك اليابانية من نوع السريولا بنصف ثمنها بينما انخفض سعر أسماك الماكريل اليابانية بنحو 20%.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة