مجتمع

"كرار" ونصف مليون طفل عراقي في المعامل.. هل تفيدهم "منحة الرعاية"؟

نشر

.

Assad Hussein

بين معامل الطابوق، الطوب، في مدينة النهروان على أطراف العاصمة بغداد التي تبث دخانها الأسود بشكل مستمر، يعمل كرار، 11 عاما، في جمع الطابوق المستخدم في بناء المنازل هو وإخوته، منذ ساعات الصباح الباكر وحتى نهاية اليوم.

15 ألف دينار عراقي فقط، 10 دولارات أميركية، هو الأجر الذي يحصل عليه كرار، الذي يغطي التراب وجهه وملابسه، لكنه وعائلته لا يجدون بديلا في إعالتهم إلا هذا العمل الذي يحتاج قوة بدنية وصحية، أكبر من قدرة الصبي الصغير وإخوته الصغار.

الطفل العراقي كرار في معمل الطوب بمدينة النهروان. الصورة: بلينكس

هاجرت أسرة كرار من إحدى المحافظات الجنوبية منذ ٥ سنوات بحثا عن فرصة عمل، حيث يعمل الطفل، والكثير من أقرانه، دون أية ضمانات صحية أو مالية، فالكثير من فرق التفتيش الحكومية لا تصل إلى المنطقة البعيدة عن مركز العاصمة.

نصف مليون طفل

كشفت وزارة التخطيط في أحدث تقديراتها أنّ نسبة عمالة الأطفال في البلاد اقتربت من نحو نصف مليون، وأرجعت السبب في ذلك إلى ارتفاع نسبة الفقر الشديد إلى 25 % من إجمالي عدد السكان، ما ساهم في زيادة أعداد "الأطفال العمّال".

عبد الزهرة الهنداوي المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط يقول "أطفال العراق شأنهم شأن بقية أقرانهم في دول العالم، ينبغي أن يعيشوا طفولتهم، ويتمتعوا بأجواء اللعب والتعليم بدلاً من سوقهم للعمل، لا سيما في شرائح المجتمع الفقيرة".

يقدّر الهنداوي في تصريحات لبلينكس أعداد الأطفال العراقيين المحرومين من حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية إلى نحو 1.1 مليون طفل.

الراتب مقابل إيقاف العمل

وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تقول إنها بدأت مواجهة عمل الأطفال عبر منح الأسر "رواتب"، لتشجيع الأسر على رعاية أطفالهم بشكل لائق، وفي الوقت ذاته شنّت حملات ضد أماكن العمل التي تستغل الأطفال.

لا يتجاوز مقدار الراتب الشهري للطفل الواحد ١٢٥- ١٥٠ ألف دينار، ما يعادل ١٠٠ دولار، وهو ما يعني قيمة راتب ١٠ أيام، إذا وجد الطفل عملا في أحد المعامل الصغيرة.

مصانع الطابوق في مدينة النهروان. تصوير: بلينكس

مدير دائرة العمل والتدريب المهني في الوزارة، رائد جبار، يقول إن "الوزارة تفرض غرامات على أصحاب العمل الذين يشغّلون الأطفال تحت سن 15 سنة، مع أخذ تعهدات خطية من الآباء بعدم إعادتهم إلى العمل مرة أخرى". يضيف جبار في تصريحات لبلينكس "إن كانت الأسرة تحت خط الفقر فإنها تكون مشمولة برواتب الحماية الاجتماعية".

يشرح جبار "أجرت وزارة العمل مسحاً ميدانياً تبين من خلاله وجود عدد كبير من الأطفال يعملون في مقبرة محافظة النجف ومعامل الطابوق في بغداد، فضلاً عن المناطق الصناعية".

يربط مدير دائرة العمل في الوزارة العراقية بين انتشار "الأطفال العمال" وارتفاع نسب التسرب من التعليم "بعض مناطق بغداد سجلت أرقاما كبيرة للتسرب من التعليم هذا العام، يذهبون في الغالب إلى المصانع للعمل، نتيجة تردي وضعهم المعيشي، أو إجبارهم من قبل ذويهم على العمل".

الراتب لا يكفي

ورغم تفاؤل الوزارة بمساهمة راتب الرعاية في الحدّ من عمل الأطفال، إلا أن ناشطين في مجال حقوق الطفل يجدون الأرقام غير كافية.

تقول الناشطة في حقوق المرأة والطفل بنين إلياس أن الـ100 دولار في الشهر، أو ٣٠٠ دولار إذا كان عدد الأطفال في الأسرة الواحدة ٤ أطفال، غير كاف، بسبب ارتفاع أجورهم في المصانع مقارنة بأرقام منحة الرعاية الاجتماعية.

أطفال عراقيون يرافقون عائلاتهم في مهن خطرة. تصوير: بلينكس

تفسر إلياس رغبة الأهالي الملّحة في تشغيل أطفالهم بـ "العادات العشائرية التي تمانع عمل المرأة، لذلك يكون تشغيل الأطفال هو الحل الوحيد أمام الأسرة للحصول على دخل يساعدهم على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية".

عن الأرقام الرسمية لـ"الأطفال العمال" والتي تقول الحكومة إنهم يزيدون عن نصف مليون طفل، تقول إلياس إن الأرقام الرسمية لا تطابق الواقع، معتقدة أن الرقم ضعف ذلك، ويصل نحو مليون طفل.

انتهاكات تصل حد التحرش

منظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونسيف، حذرت من تأثيرات ارتفاع نسب الفقر على أطفال العراق، داعية إلى العمل لبناء بيئة شاملة لحماية الأطفال في العراق المعرضين للخطر، الذين يصل عددهم إلى نحو 4.5 مليون طفل.

بينما أشارت لجنة الإنقاذ الدولية في العراق في تقرير الصادر في 20 نوفمبر ٢٠٢٢، أن 85% من الأطفال المنخرطين في العمل لا يشعرون بالأمان في أماكن عملهم، وأنهم يتعرضون لحالات تحرش جنسي، بجانب عدم امتلاكهم المعدات المناسبة لحماية أنفسهم أثناء العمل في المصانع أو في الشوارع.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة