مجتمع
.
ليست المرة الأولى التي تُطرح فيها قضية تحديد النسل بمصر، التي يزيد عدد سكانها عن ١٠٥ ملايين شخص، على طاولة النقاش، لكن هذه المرة، أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال الأسبوع الحالي أن "الحرية المطلقة في عملية الإنجاب قد تسبب كارثة للبلد إن لم تنظم"، ووصفها بـ"أكبر المشاكل".
"الانجاب حرية كاملة، لكن من دون تنظيم هذه الحرية ممكن أن تحصل كارثة في البلد. فأنا لا أوافق على الحرية المطلقة لعملية الإنجاب لدى بعض الأشخاص الذين ربما لا يدركون حجم التحدي الذي يمكن أن يحصل. لذلك علينا أن نضع برنامجا لتحديد النسل مثل الصين"، وفق تصريح السيسي.
فماذا نعرف عن عدد السكان في مصر والتحديات التي تواجهها موارد الدولة جراء ذلك؟ ومتى تلجأ الدولة إلى سياسة تحديد النسل؟
يتركز ما يقرب من 95% من سكان مصر في نطاق 20 كيلومترا على جانبي نهر النيل ومنطقة الدلتا، ما يوازي ٧.٨٪ من إجمالي مساحة مصر التي تبلغ مليون كيلومتر مربع. وتتكون الغالبية العظمى من مساحة أراضي البلاد من مراعي صحراوية ذات كثافة سكانية منخفضة أو غير مأهولة. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو، فإن أقل من 4% من مساحة الأراضي المصرية تُستخدم للزراعة.
وسبق أن نفّذت الحكومة المصرية منذ فترة طويلة برامج للتحكم في عدد السكان لتشجيع الأسر الصغيرة واستخدام وسائل منع الحمل. ومع ذلك، لم تفرض القاهرة قانونا يحدد عدد الأطفال في كل أسرة.
في أغسطس من العام ٢٠١٧، أعادت مصر إطلاق برامج دعائية بشأن أهمية تحديد النسل في محاولة لإبطاء معدل النمو السكاني الذي قال عنه الرئيس السيسي حينها إنه "يشكل تهديدا للتنمية الوطنية".
وقتها، كانت مصر هي الدولة الأكبر في عدد السكان عربيا، بعدد يصل إلى 93 مليون مواطن، في حين ارتفع العدد الآن إلى ١٠٥ ملايين و٤٢١ ألفا و٣٧٢ شخصا، الأربعاء 06 سبتمبر 2023 الساعة 01:17 مساء حسب توقيت القاهرة، والأعداد آخذة بالارتفاع، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
في حين تشير التوقعات إلى نمو عدد السكان إلى 128 مليونا بحلول العام 2030.
يتركز ما يقرب من 95% من سكان مصر في نطاق 20 كيلومترا من نهر النيل ومنطقة الدلتا. مصدر الصورة: أ ف ب
ولكن في الفترة من 2011 إلى 2013، في ظلّ إدارة الرئيس السابق محمد مرسي، تم إيقاف البرامج السكانية بالكامل. وبحلول العام 2015، عاد معدل الخصوبة للارتفاع مجددا إلى 3.31 طفل لكل امرأة، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، نقلتها منظمة معهد أبحاث السكان الأميركية.
، يبلغ معدل الخصوبة الإجمالي، وهو يمثل عدد الولادات لكلّ امرأة في مصر ٢.٩. مصدر الصورة: أ ف ب
النمو السكاني السريع في مصر، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة، وندرة الموارد المائية، من شأنه خلق تحديات كبيرة لمصر، وفق ما خلص له تقرير معهد أبحاث السكان الأميركي.
على الرغم من انخفاض معدل البطالة في مصر، إلا أنه لا يزال عن مستوى مرتفع وهو ٧٪. وتراجعت نسب البطالة من ذروة ١٣.٢٪ في العام ٢٠١٣، إلى ١١.٨٪ عام ٢٠١٧، وصولا إلى ٩.٩٪ عام ٢٠١٨، فـ٧٪ خلال العام ٢٠٢٢ في أحدث بيانات وفق البنك الدولي.
وبلغت نسبة البطالة لدى الأشخاص الحاصلين على تعليم متقدم ١٥% من إجمالي القوى العاملة الحاصلة على هذا التعليم في مصر. وعلى صعيد بطالة الشباب، فالنسبة بلغت ١٧.١٪ من إجمالي القوى العاملة من الشريحة العمرية بين ١٥ و٢٤ عاما.
يبلغ عدد سكان مصر ما يزيد عن ١٠٥ ملايين شخص. مصدر الصورة: أ ف ب
وغير مشكلة البطالة التي تساهم فيها بشكل غير مباشر الزيادة السكانية، "الأسوأ من ذلك هو أزمة المياه في مصر، حيث تعتبر البلاد واحدة من أقلّ وحدات حجم المياه للفرد في العالم. ويزود نهر النيل مصر بنحو 85% من احتياجاتها من المياه العذبة"، بحسب المعهد الأميركي.
خطة تحديد النسل باستخدام القانون تعود جذورها للعام ٢٠١٨، عندما قيّد برنامج الرعاية الاجتماعية "تكافل وكرامة"، تلقي الدعم لـ٣ أطفال فقط، وكان الهدف تشجيع الأسر الأكثر فقرا على عدم تجاوز عدد أطفالها ٣ فقط، حتى تحصل على دعم شهري.
النمو السكاني السريع يمكن أن يجعل معالجة البطالة أكثر صعوبة لأنّ خلق فرص العمل لا يكون دائما قادرا على مواكبة الزيادات السكانية السريعة.
ومع ذلك، "يُعد هذا النمو عاملا حاسما في بناء اقتصاد صحي، ولا ينبغي أن يكون عائقا أمام التنمية المستقبلية للبلاد"، حسب ما ذكره معهد أبحاث السكان.
فمن إيجابيات الكثافة السكانية العالية، إتاحة إمكانية الوصول إلى موارد مختلفة، مثل النقل وخدمات الرعاية الصحية وفرص العمل غير المتوفرة في أي مكان آخر. ومن الممكن أن يساعد ذلك في تحسين نوعية حياة السكان من خلال تزويدهم بقدر أكبر من الأمن الاجتماعي والاقتصادي، ولكن فقط إذا تمت إدارة الموارد وتوزيعها بشكل صحيح.
يرجع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في مصر جزئيا إلى نظام التعليم. مصدر الصورة: أ ف ب
تزيد الكثافة السكانية العالية أيضا من التنوع الثقافي بسبب تدفق الأشخاص من خلفيات وثقافات مختلفة الذين يعيشون معا في منطقة أو مدينة واحدة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى مجتمعات أكثر حيوية حيث يتم الاحتفاء بالثقافة وتقديرها، مما قد يسهم بشكل إيجابي في تحقيق التماسك الاجتماعي والاستقرار.
وتميل المناطق ذات الكثافة السكانية العالية إلى أن تكون مزدهرة اقتصاديا حيث تستفيد الشركات من الأسواق الأكبر لمنتجاتها أو خدماتها. ويؤدي الطلب المتزايد إلى قيام الشركات بتطوير تقنيات أو أساليب جديدة يمكنها تعزيز الكفاءة مع تقليل التكاليف في نفس الوقت.
وهذا يرفع مستويات الإنتاجية الإجمالية داخل صناعات المنطقة، مما يؤدي إلى النمو الاقتصادي.
تتمتع المدن المكتظة بالشباب في سن العمل، بإيرادات ضريبية أعلى بسبب العدد الكبير من المواطنين الذين يدفعون الضرائب.
ويرجع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في مصر، حسب المعهد، جزئيا إلى نظام التعليم الذي غالبا ما يفشل في إعداد الشباب بالمهارات المناسبة اللازمة.
ورغم ذلك، يتخلى العديد من الشباب المصري عن الوظائف التي يشعرون أنها أقل من مستواهم العلمي. ووجدت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية في العام 2012 أن 30% من الشباب العاطلين عن العمل في مصر رفضوا عرض عمل شعروا أنها لا تلبي مؤهلاتهم.
تجاوزت الهند في نهاية أبريل الصين من ناحية عدد السكان. مصدر الصورة: أ ف ب
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة