لماذا يرفض تونسيون "القفص الذهبي"؟

تبيّن إحصائيات نشرتها شركة "سيغما كونساي" قبل أشهر أن عقود الزواج تراجعت في تونس بنسبة 36% مما أدّى إلى تراجع الولادات بـ 28% خلال السنوات العشر الماضية.

تعليقا على هذا الرقم، يعتبر اسكندر أنه منطقي.

فالسنوات الماضية كانت صعبة على التونسيين إجمالاً بمختلف الشرائح العمرية، وبالتالي سيكون الشباب أيضاً أحد الفئات المتضررة ويضطر لتفادي فكرة الزواج المكلفة، بداية من مصاريف الحفل وإعداد المسكن وصولا إلى ولادة الأطفال وتربيتهم، مما يدفع بهم إلى التنازل عن الاستقرار تجنباً للوقوع في خلافات مع الشريك بسبب الظروف المادية.

من جهتها، تؤكد الباحثة في علم الاجتماع والديموغرافيا سيرين بن بلقاسم، أن عزوف الشباب عن الزواج يؤدي تدريجياً إلى تنامي ظاهرة التهرّم السكاني بعد أن كان يشهد فتّوة سكانية، مرجعة ذلك بالأساس إلى العامل الاقتصادي الذي يدفع كذلك الأزواج إلى عدم الإنجاب بتاتاً، أو الاكتفاء بطفل واحد أو اثنين على أقصى تقدير.

وتوضح بن بلقاسم أن التهرم السكاني خطر يحدّق بالبلاد للآثار السلبية على الصناديق الاجتماعية التي تعاني اقتصاديا، حتى أن السلطات التونسية اضطرت مؤخراً إلى رفع سن التقاعد لأغلب القطاعات من 60 إلى 62 سنة.

كما أن حجم القوة العاملة بالبلاد بدأ يتراجع تدريجياً بفعل نقص عدد الشباب بعد تراجع الولادات، إلى جانب ارتفاع نسبة هجرة الكفاءات إلى أوروبا وكندا، سواء عبر الطرق القانونية أو عبر رحلات الهجرة غير النظامية بحراً، مع الإشارة إلى أن حوالي 10 آلاف تونسي وصلوا إلى إيطاليا بين سبتمبر وأكتوبر 2023 وأغلبهم في سن الشباب.

وتضيف المختصة أن التركيبة النفسية للتونسي عموماً تجعل منه شخصية محبة للحياة، غير راغبة في التنازل عن الرفاه والامتيازات الذاتية التي تمتع بها نفسها مقابل مزيد من التضييق بتحمل مسؤولية تربية الأطفال، مع العلم أن كلفة نفقات طفل واحد تناهز 500 دينار أي حوالي 200 دولار، وهو رأي يشترك فيه تونسيون وتونسيات على حد السواء.

عوامل أخرى حددتها مريم الصخيري الناشطة بالجمعيّة التونسية للصحة الإنجابية، لتفسير تراجع الزيجات والإنجاب.

تعتقد مريم أن طول سنوات الدراسة في تونس، على عكس بقية الدول العربية، إلى جانب القدر الهام من هامش الحرية الذي تحظى به النساء، وترسيخ قناعة لديهن أن ضمان مستقبلهن يكون بحصولهن على شهادات جامعية، ثم وظيفة مرموقة تضمن لهن والحماية وليس الزوج.

تضيف: "بالتالي تصبح التونسية تفكر في الزواج في حدود سن الـ 35 مما يجعل فترة الخصوبة قصيرة وتدفعها للاكتفاء بطفل أو طفلين".

ولا يتفق اسكندر مع هذا الرأي، إذ يعتبر أنه وإن لم يكن يفكر في الزواج، فإنه إذا قرر يوماً ما الارتباط، فإنه سيفضّل أن تكون أم أولاده في مستوى تعليمي محترم، ومتحررة من كل قيود المجتمع التي تدفعها إلى اعتبار الزوج آلة صرف.