400 ألف مدمن.. مَن هي الفريسة السهلة لتجارة المخدرات في تونس؟

لم تكن صليحة تتخيّل أنها ستصبح زائرة أسبوعية لإحدى إصلاحيات العاصمة تونس، حيث يقضي ابنها الوحيد عقوبة سالبة للحرية بعد اقترافه جريمة سرقة من أجل توفير ثمن المخدرات، بعد أن قطعت والدته المصروف إثر معرفتها تعاطيه مادة "الزطلة" الشهيرة في تونس.

تقول صليحة إن سلوك ابنها انحرف بشكل جذري إثر وفاة والده، فأصبح كثير التغيب عن الدراسة وتراجعت نتائجه إلى أن وجدت في جيبه بقايا قطع من المخدر وأوراقاً للف السجائر.

حينها لم يكن طفلها تجاوز الرابعة عشر، فتوترت علاقتهما مما دفعها إلى عدم تمكينه بعد ذلك من أي أموال ظناً منها أنها تبعده عن طريق الإدمان، لكنه واصل في انحرافه وسطا على مصوغ فانتهى به المطاف في سجن للقصّر.

تضيف صليحة أن ابنها سلك طريق المخدّرات في محيط المدرسة الإعدادية التي كان يرتادها في أحد الأحياء الشعبية المكتظة المتاخمة للعاصمة، كغيره من زملائه الذين زلت بهم القدم في غياب تام لرقابة الأولياء المشغولين بتوفير لقمة العيش، والإطار التعليمي المستقيل من مهمة التربية، على حد قولها.

في هذا الإطار يؤكد رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات عبد المجيد الزحاف أن 31 % من تلاميذ المرحلة التكميلية تعاطوا المخدرات مرة واحدة على الأقل، مشيراً إلى أن آخر الدراسات تفيد بأن 3 % من تلاميذ تونس يستهلكون المخدرات بانتظام وتتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة.

وأضاف أنّ هذه الدراسة التي أجريت على تلاميذ من مختلف محافظات البلاد، أثبتت تضاعف استهلاك القنب الهندي 3 مرات، بينما تضاعف استهلاك الأقراص المخدرة 7 مرات والتي تُقبل عليها الفتيات أكثر من الصبيان.

من جهتها، توضح الدكتورة سناء درويش، الأخصائية في طب الإدمان، أن تنامي الظاهرة يعود إلى سهولة ولوج القصّر إلى عالم الممنوعات، خاصةً أنهم فئة هشّة يسهل التلاعب بها لتصبح أكثر استهلاكاً، وبالتالي مزيداً من الأرباح المادية للمروّجين الذين يختارون فريستهم بعناية.

وتلاحظ درويش أن المسؤولية ملقاة على الجميع دون استثناء، بداية من العائلة التي أصبحت لا تهتم بالجوانب النفسية للأبناء، وتكتفي بحصر أدوارها في توفير الأكل والمسكن، ثم المدرسة التي لا يقوم فيها الإطار بدوره التربوي والتوعوي كما ينبغي، وأخيرا الدولة التي لا توفر فضاءات خاصة بشريحة المراهقين كنوادي الرياضة والترفيه والتثقيف فيجدون أنفسهم في فخ المخدرات.

مع بداية السنة الدراسية الحالية، بدأت السلطات الأمنية التونسية في شنّ حملات بمحيط المدارس للحد من ظاهرة انتشار المخدرات، حيث ألقت القبض على عشرات المروجين.

لكن رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات عبد المجيد الزحاف لا يرى أن هذه الإجراءات قد تكون ذات جدوى، خاصةً أن الظاهرة متفشية وأن المقاربة الأمنية التي تنتهجها الدولة منذ عقود أثبتت قصورها.

والزحاف يقول إن القانون التونسي لا ينص على معالجة المدمنين، بل على سجنهم، فتلاحق الشرطة آلاف التلاميذ والطلبة وتحاكمهم وتقضي على مستقبلهم الدراسي، بينما لا توقف نزيف تهريب المواد المخدرة على الحدود.

كما أن الدولة لا توفّر إلا مركزاً وحيداً عاماً لعلاج الإدمان، بطاقة 72 سريراً، بالإضافة إلى أنه غير مجاني، وتكلفة يوم واحد من العلاج تقدّر بثلاثين دينارا، في حدود 10 دولارات، ولا تتكفل الصناديق بمصاريف الدعم لهذا النوع من العلاج.