نساء سجنان التونسيات.. صانعات مجد حرفة تعود لآلاف السنين

في مدخل ريف سجنان البعيد (حوالي 100 كلم عن العاصمة) تقف بيّة على حافة طريق وعرة ملوّحة للسيارات بآنية علها تجد حريفاً يساعدها على توفير مستلزمات دراسة ابنتها فتبيعها بعشرة دينار (حوالي 3 دولار)، وهو أغلى ما تملك من ضمن بضاعتها التي تضعها على بعد أمتار قليلة داخل كوخ صغير من الطين والقش.

بدأت بيّة تتحدث لبلينكس عن شغفها بهذه الحرفة منذ أكثر من 50 سنة.

تقول وهي بصدد عجن بعض الطين رغم الجروح البادية على كفيّها، إنها رغم قساوة الطبيعة وصعوبة صناعة الفخار، إلا أنها لم تقدر على ترك مصدر فخرها الوحيد، فقد توارثتها عن والدتها وجدتها منذ كانت في السادسة، واحترفتها كمهنة منذ 18 سنة بحصولها على شهادة رسمية حصلت بمقتضاها على صفة حرفية تمكنها من المشاركة في المعارض محلياً ودولياً.

تضيف أنها بعد جمع الطين تنطلق في عجنه مع إضافة بقايا الأواني المكسورة بعد طحنها فتصبح ما تسميه "التافون" ثم تبدأ الفقرة المفضلة لديها حيث تشكّل بأناملها الخشنة تحفاً وصحوناً و"كوانين" جمع كانون وهو إناء يوضع فيه الفحم ويُستعمل في الأرياف للطبخ أو للتدفئة.

بعد ذلك تترك الحرفية بيّة أوانيها لتجف بعيداً عن الشمس. فطين سجنان الكلسي يختلف عن غيره في منطقتي نابل وجربة المعروفة أيضاً بصناعة الفخار، فلا يُفضّل أن يُترك في درجات حرارة أو رطوبة عالية.

بعد أن يجف بين 3 إلى 7 أيام تضع بيّة ما صنعته داخل فرن ليتماسك وبعد تبريده تقوم بصقله باستعمال صدفة بحرية حتى يصبح أملساً.

أما الزينة فهي أيضا طبيعية كلياً، إذ تستخرج نساء سجنان ملوناً أسوداً من أشجار "الضرو" الموجودة بكثرة في المنطقة، فترسم أشكالاً ورموزاً بربرية يقال إنها تروي قصص نساء الريف قديما وتوقهّن للحرية.

خمس سنوات مرّت منذ اعتراف العالم بحرفة عمرها ما لا يقل عن 3000 سنة، لكن حارسات هذه المهارات مازالت ترزحن تحت الفقر.

ندى وهي ابنة إحدى الحرفيات وتدير صفحة على موقع فايسبوك لترويج بضائع أمها، تؤكد أن "السجنانيات" كنّ تتخيلن أن حياتهن ستتغير نحو الأفضل بعد ادراج فخار سجنان بتراث اليونسكو.

لكن الواقع لم يشهد أي تطوّر، فما زالت النسوة تقفن على قارعة الطرقات لعرض ما تصنعن من ابتكارات رغم الوعود المتكررة من وزارتي الثقافة والمرأة ومختلف السلطة المتدخلة بإنشاء منطقة حرفية تروّج فيها الحرفيات بضائعهن.

وفي هذا السياق، يؤكّد رئيس جمعية المحافظة على التراث بسجنان، منجي البجاوي، أن حوالي 380 حرفية تشتغل في قطاع الفخار بالمنطقة، وبالتالي تعيش مئات الأسر مما تنفقه هؤلاء النساء. لكن مشاركتهن الموسمية في المعارض بالإضافة إلى الميزانية التي تخصصها وزارة الثقافة لاقتناء قطع من الفخار سنوياً، غير كافية لإعطاء هذا الفن ما يستحقه من تكريم.