سميرة تتحدى أزمة لبنان بـ"المرقوق على الحطب"

مُحاطة بـ"عدة الشغل"، تتحدث الحاجّة سميرة لبلينكس عن مسيرتها في "صناعة الخبز المرقوق"، فقالت إنها اختارت هذه المهنة قبل 20 عاماً بعد انفصالها عن زوجها.

تضيف: "حينها، قررت أن أكون مستقلّة وأن أؤسس عملاً خاصاً بي كي أعيلَ أسرتي. في ذلك الوقت، كان لدي طفل وطفلة، واخترت خوض غمار صناعة الخبز، نظراً لأنه لديّ خبرة في ذلك كوني كنت أصنع المخبوزات للعائلة داخل المنزل. كذلك، أردت أن أكون سيدة نفسي فلا أحتاج إلى أحد".

السيدة الستينية تتحدث عن "متعة لا توصف" أثناء صناعتها الخبز رغم كل المتاعب.

تقول: "إعداد الخبز له نكهة خاصة لا سيما المرقوق اللبناني الأصيل، الذي نستذكر أجدادنا عبره. مهما تبدلت الأيام والأحوال، سيبقى هذا الخبز شاهداً على الماضي الجميل. الكارة والصاج لن يموتا".

على نار "الوقيدة"، تثبّت الحاجّة سميرة صاجها الحديدي العريض، تستيقظ من الساعة الـ6 صباحاً يومياً لإعداد العجين، ثم تدخل خيمتها الصغيرة حاملة "كارتها"، لتضع كل شيء بجانبها من عجين وزعتر وكُشك بلديّ قبل أن تبدأ عملها.

اللافت هو أنّ الحاجّة سميرة اختارَت صنع الخبز على الحطب. الخطوة هذه جاءت رغماً عنها وبسبب الظروف الصعبة، ففي السابق كانت السيدة تستخدم الغاز في عملها، أما اليوم وبعد الغلاء قررت الاستعانة بالحطب كونه "أقل تكلفة".

تقول الحّاجة سميرة: "ارتفع سعر قارورة الغاز إلى نحو 15 دولارا. بما إنني أعمل بشكلٍ شبه يومي، فإنني قد أكون بحاجة إلى قارورة كل 5 أيام تقريباً".

عن هذه التكلفة تقول: "هذا الخيار يمثل خسارة جسيمة، لهذا السبب قررت اللجوء إلى الحطب، من جهة أخفض التكاليف ومن جهة أخرى أقدم لقمة طيبة، لأن الخبز على الحطب له نكهة خاصة".

السيدة تلفت أيضاً إلى أنّ هناك مساوئ أيضاً لاستخدام الحطب، تقول: "رائحة الدخان مؤذية ومضرة. أعاني من الحالات التنفسية المؤذية، لكنني مُضطرة للاستمرار. هذه المهنة تُعيلني وتجعلني أساعد نجلي أيضاً، نظراً لأن حالته المادية غير جيدة".

خلال عملها، تواجه الحاجّة سميرة غلاء الأسعار بكل تفاصيله. الطحين ليس رخيصاً، فسعر الكيس (50 كيلو) قد يصل إلى 27 دولاراً في بعض الأماكن، أما السكر فسعره أرخص بقليل تبعاً لجودته ونوعيته. أما المواد الأخرى مثل الزيت وغيره، فثمنها أيضاً بالدولار.

تسرد الحاجّة سميرة المعاناة التي تواجهها مع الغلاء، فتشير إلى أنها تعتمد استراتيجية تقشفية نوعاً ما لإدارة مخزونها من المواد الأولية لصناعة الخبز، وتضيف أنها في السابق كانت تشتري طناً من الطحين، أما اليوم "فأحصل على كيسين 100 كيلو لحتى مشّي الشغل وعلى قدر فلوسي"، وفق قولها.

حالياً، تبيع الحاجة الستينية خبزها بالليرة اللبنانية (70 ألف ليرة ثمن 10 أرغفة تقريباً، أي ما يعادل الـ77 سنتاً وفق سعر دولار 90 ألف ليرة)، في حين أنها تبيع المنقوشة الكشك بـ100 ألف ليرة، أما الزعتر فتُباع بنحو 80 ألف ليرة.

هنا، تتحدث السيدة فتقول: "يجب أن أبيع 24 منقوشة تقريبا كي أستطيع تحصيل ثمن كيس الطحين. الليرة صارت بلا قيمة، وكل شيء بالدولار، لكنني ورغم ذلك، أتقاضى من الزبائن ثمن الخبز بالليرة، هناك فقراء كثر وليس بحوزتهم دولارات".

تكشف الحاجّة سميرة أنها كانت تعمل سابقاً في مجال خياطة الملابس. أما بعد انتقالها إلى صناعة الخبز منذ العام 2003 تقريباً، فقد قرّرت أن "تخيطَ الخبز" وتنسّقه كما تنسق الثوب القماشي، على حد تعبيرها.

تقول السيدة إنَّ "سر مهنة صناعة الخبز يرتبط بالنفس الكريمة، وبالخبرة الحكيمة والمقادير السليمة"، وتُضيف: "الأهم من هذا كله هو أن تكون العجينة صحيحة، ليبقى الخبز طرياً وفي الوقت نفسه لا يتمزق. الخبرة هنا تمنحك الكثير، كما أن ذوق الزبائن يفيدك كثيراً ويجعلك تختار الأنسب دائماً".

بحسب الحاجّة سميرة، فإنَّ مجال عملها ليس سهلاً، فهو يحتاج إلى بنية جسدية قوية، وتختم "رغم كل شيء، سنبقى صامدين، نصنع الخبز للناس، وأفتخر بالكفاح من أجل عائلتي وكرامتي".