التنمر يلاحق مصابي الإيدز.. وجيمي التونسي تعوّد على التعايش

جيمي تعايش مع مرضه منذ سنة 1981. فعند إيداعه السجن في باريس بتهمة تجارة المخدرات، أخضعته السلطان الفرنسية حينها إلى التحليل فاكتشف إصابته باعتبار أنه كان يتعاطى المخدرات عن طريق الحقن وتداول الإبر الملوثة مع مدمنين آخرين.

يقول جيمي إنه غادر السجن أواسط الثمانينات، وعاش حياة طبيعية فنشط في جمعيات فرنسية واشتغل في صناعة الأحذية بينما كان يتلقى العلاج دورياً، إلى أن قرّر العودة إلى تونس نهائياً في عام 1993، لكن محيطه لفظه فتعرّض للتنمّر والنبذ.

يتذكّر جيمي أن الحلاق طرده عندما علم بإصابته بالإيدز، وأن صاحب المقهى كسر الفنجان أمامه فور انتهائه من شرب القهوة.

هذه الحوادث المريرة دفعت جيمي إلى تأسيس الجمعية التونسية لمكافحة الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً، وهي أول جمعية في البلاد تلتها منظمات أخرى، في بلد تسجل ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات بالفيروس.

على عكس الأرقام العالمية التي تأخذ منحى تنازلياً في عدد مرضى الإيدز، فإن تونس تسجّل ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات بفيروس نقص المناعة المكتسبة.

وتبيّن وزارة الصحة التونسية أن عدد المتعايشين مع هذا الفيروس يبلغ 6890 حالة إلى حدود 2022، أقل من 50 % منهم يعرفون بإصابتهم و26 % فقط يتلقون العلاج.

وحسب المصدر ذاته، سجلت تونس 412 حالة جديدة في العام 2022 منها 5 حالات لأطفال، في حين أن معدلات الإصابة قبل سنة 2010 كانت في حدود 70 حالة.

رئيسة الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية سهيلة بن سعيد، تؤكد أن الوصم والتمييز والرفض الاجتماعي، من أبرز الأسباب التي تُرغم المتعايشين مع المرض على الامتناع عن الذهاب إلى مراكز الصحة الـ 4 لتلقي العلاج، والحصول على الأدوية رغم أنها مجانية، وذلك خوفاً من سوء معاملتهم من قبل الإطار الطبي وردود فعل بعض التونسيين العنيفة تجاههم.

تروي بن سعيد أن متعايشات مع الإيدز تعرضن للعنف عند وضع أطفالهن، حيث امتنعت أخصائيات التوليد عن الاقتراب منهن لمجرد علمهن بإصابة الأم بالفيروس.

وتشير بن سعيد إلى أن الدراسات التي تقوم بها وزارة الصحة تبيّن أن المدمنين على المخدرات عبر الحقن، هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالإيدز، ويمثلون 22 % من الحالات، ثم المثليّون الذين يرفضون بدورهم الإفصاح عن إصابتهم تجنباً للملاحقات القضائية، فينتشر المرض في صفوفهم.

إلى جانب صعوبة اندماج المصابين بفيروس فقدان المناعة المكتسبة بالمجتمع التونسي، يواجه المتعايشون معه في أغلب الأحيان صعوبة الوصول إلى الدواء.

تؤكد إنصاف، اسم مستعار، لمتعايشة مع الإيدز أنها تقبّلت بمرارة تلقيها عدوى الفيروس من زوجها ونقلها إلى ابنها، لكنها رغم ذلك بدأت رحلتها مع العلاج منذ 6 سنوات، وهي حلقة أخرى من سلسلة معاناتها الطويلة.

تقول الشابة الثلاثينية إن الدولة توفر الدواء مجاناً، لكنه يختفي من فترة إلى أخرى، حتى أنها انقطعت عن تناوله طيلة 8 أشهر أثناء جائحة كورونا، ما تسبّب في تدهور حالتها وخضوعها لتدخلات جراحية متعددة، فالإيدز يجعل مناعتها هشة وجسدها معرض للإصابة بشتى الأمراض.

الدولة التونسية تخصص من 5 إلى 7 ملايين دولار لتمكين المصابين، من مجانية العلاج في مستشفيات موزعة على محافظات تونس وسوسة والمنستير وصفاقس دون سواها، ما يجعل المصابين الذين يسكنون في بقية الجهات، يتنقلون كيلومترات طويلة للوصول إلى أقسام الأمراض الجرثومية المعتمدة للحصول على دواء قد لا يتوفّر.