زواج القاصرات في الأردن.. ظاهرة تلخصها قصة منال

تروي منال تجربتها لبلينكس قائلة "فرحتي بالارتباط في الوقت الذي تواصل به صديقاتي الدراسة، جعلتني أنسى طموحي في استكمال الدراسة الجامعية، وبعد الوعود التي قدمها زوجي بأنني سأكمل الدراسة في أهم الجامعات الأميركية جعلتني أشعر بالطمأنينة، ولكن الوعود لم تنفذ كما هي مختلف مجريات حياتي".

منال التي وعدت بأن يكون لها منزل في واشنطن، تبدد حلمها تدريجياً وتحول المنزل إلى غرفة داخل منزل العائلة الكبيرة، ومن هنا بدأت المشاكل تظهر بالتدريج وصولاً إلى محطة الانفصال.

تعلق هذه الأردنية على زواج القاصرات بالقول "في الحقيقة لم يكن لدي وعي ونضج لمرحلة الزواج المقبلة عليها، ومما زاد الطين بلة في أنّ زوجي كان أيضا صغير في عمره ولم يتجاوز 18 عاماً، وهذا أثر فعلياً على كيفية إدارته هذه العلاقة، التي كان عنوانها العنف والصراخ والتخلي عن الكثير من الالتزامات التي قُدمت في البداية".

بحسب منال التي انفصلت ومن ثم عادت الى قطار التعليم وأصبحت الآن تعمل، وأيضاً ارتبطت بشخص تراه مناسبا وأصبحت أم، أنّ الأهل عليهم المسؤولية الكبرى في توجيه ابنتهم، فالزواج بعمر صغير كلفته عالية على الفتاة من نواحي متعددة، وستخسر كثيرا جراء اتخاذه.

يسجل الأردن سنوياً آلاف من حالات زواج القاصرات رغم تحذيرات من منظمات المجتمع المدني ومن حقوقيين ومنظمات دولية، إضافة للتقارير الدولية التي تتعلق بحالة حقوق الإنسان بالمملكة.

ففي عام 2019 تم تعديل قانون الأحوال الشخصية يسمح بزواج الفتيات في سن الـ 16 عاماً إذا كان الزواج "ضرورة" تقتضيها المصلحة بشرط موافقة قاضي القضاة، وتوفر الرضا والاختيار.

وتفرض دائرة قاضي القضاة منذ عام 2019 تعليماتٍ محددة ومقيدة لتزويج مَن هم دون الـ 18 عاماً، إذ تجيز زواج من أكمل 15 عاماً ولم يُكمل 18 عاماً لضرورةٍ تقتضيها المصلحة.

هذه التعليمات تزامنت مع إطلاق الخطة الوطنية للحد من زواج الأطفال في الأردن (2018-2022)، وتهدف إلى تطوير التشريعات والقوانين ذات العلاقة بالحد من زواج الأطفال في الأردن.

معهد تضامن النساء الأردني أشار إلى التقرير السنوي الصادر عن دائرة قاضي القضاة لعام 2022، فالبيانات التفصيلية أظهرت انخفاضاً في أعداد عقود زواج القاصرات (من هم دون سن 18 سنة)، حيث بلغت أعداد العقود 5824 عقداً عام 2022 وبنسبة 9.1% من مجموع عقود الزواج العادي والمكرر.

تؤكد "تضامن" انخفاض عقود زواج القاصرات عام 2022 مقارنة بعام 2021، حيث بلغ عدد عقود زواج القاصرات 8039 عقداً عام 2021، بما نسبته 10.7% من مجمل عقود الزواج العادي والمكرر لنفس العام والتي بلغت 75360 عقداً.

المديرة التنفيذية في جمعية "تضامن"، الحقوقية إنعام العشا تحذّر في لقاء مع بلينكس، من هذا الزواج أكان للذكور أو للإناث، بالقول بداية يجب تعريفه بأنه "تزويج" وليس زواج كون الإرادة لا تكون إرادة حرة، وكاملة.

توضح العشا أنّ هذه المشكلة هي مشكلة اجتماعية أكثر من كونها قانونية، خاصةً أن قانون الأحوال الشخصية تم تعديله منذ سنوات، وأصبح سن الزواج 18 عاماً لطرفي العقد، وترك باب الاستثناءات مفتوح لبعض الحالات الاضطرارية.

وتقول إن لهذه القضية بعد آخر اقتصاديّ، "خاصةً إن كان هناك أكثر من فتاة في الأسرة، انطلاقاً من تخفيف الأعباء".

وتؤكد قائلة "للأسف نسب الزواج بقيت عالية، ووصلت العام الماضي إلى 9% من مجموع عقود الزواج، وهذا الرقم خطير ويشير إلى أنّ المشكلة مازالت قائمة".

مديرة مركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية، د. أمل العواودة، توضح أنّ زواج القاصرات في الأردن يشكل حالة وليس ظاهرة، ومن الأسباب التي تدفع نحو هذا الزواج هو الأوضاع الاقتصادية، ومن باب "السترة" وتوفر فرصة مناسبة من الممكن ألا تتكرر.

أشارت العواودة في حديثها لبلينكس إلى أن قرار الأسرة هو الأساس وكيف تنظر هذه الأسرة إلى الإبنة ومستقبلها، وفي بعض المناطق النائية، والأقل حظاً نظراً لعدم توفر خدمات التعليم ترتفع نسب هذا النوع من الزواج، فأغلب الأهالي الذين يوجهون ابنتهم نحو هذا المحطة، يكون انطلاقاً من منظومة الحماية، بحسب وصفها.

وتختم العواودة بالقول "يعد الأردن من الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة التي تبيّن أن الطفل هو أي شخص يقل عمره عن 18 سنة، ومن هنا فإن زواج القصر يعني إتاحة الفرصة أمام طفل لقيادة أسرة وتكوينها، وهذا أمر خطير نتيجة المشكلات التي ستنتج عنه".