دراما رمضان التونسية تكسر الـTaboo

تواصل قناة "الحوار التونسي" الخاصة، إثارة الجدل من خلال الجزء الثاني من مسلسلها "فلوجة"، الذي طرح منذ الموسم الأول ظاهرة انتشار المخدرات وترويجها في صفوف الطلاب والمراهقين.

كما تضمنت أحداثه تطور علاقة حب بين تلميذ ومدّرسته، لكن هذا العام أثارت المخرجة سوسن الجمني قضية تجميد البويضات، ففي أحد المشاهد تخبر ليلى (تلعب دورها الممثلة التونسية نعيمة الجاني) زوجها برغبتها في الإنجاب وأنها قامت بتجميد بويضاتها بعد تأخّر زواجها.

هذا المشهد كان مدخلاً ليفتح باب النقاش على مصراعيه حول حق العازبات في تجميد البويضات، خاصةً أن القانون التونسي لا يسمح بذلك.

أما "باب الرزق" الذي بثته القناة الوطنية التونسية، فاختار من خلاله المخرج هيفل بن يوسف، وكاتب السيناريو محمد علي دمق، تسليط الضوء على مأساة أخرى لنساء تونسيات معرضات للموت في الطريق نحو الأراضي والحقول، في حوادث باتت مألوفة لعموم التونسيين.

القائمون على العمل، وضعوا مأساة عاملات الفلاحة التونسيات في قلب الأحداث، فمنذ الحلقات الأولى كشفوا عن معاناتهن أثناء التنقل وساعات العمل الطويلة مقابل أجر زهيد، حتى الحلقة الثامنة التي جسّدت بدقة وفاة عاملة وإصابة أخريات إثر انقلاب الشاحنة التي كانت تقلهّن.

هذا المشهد نقل واقعاً يعشنه ويسمى في تونس "شاحنات الموت" التي تحصد باستمرار أرواح عاملات يمثلن 80% من القدرة التشغيلية لقطاع الفلاحة بالبلاد، في حين تكشف إحصائيات نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تسجيل 74 حادثاّ في مجال النقل الفلاحي منذ 2015، مخلفاً 60 حالة وفاة و870 جريحاً وجريحة.

ومن خلال مشهد قطعة الخبز المخضبة بالدماء، أحال المخرج ملايين التونسيين إلى حادثة مماثلة هزت البلاد سنة 2019 وأودت بحياة أكثر من 20 عاملة في محافظة سيدي بوزيد وسط البلاد، في محاولة للفت أنظار المسؤولين إلى تواصل المأساة رغم مرور السنوات، وأن أرواح النسوة التي زهقت في سبيل لقمة العيش، لم تغيّر من واقع الناجيات.

مسلسل آخر اختار أن تلقى إحدى بطلاته عاملة الفلاحة "عيدة" المصير ذاته.

"رقوج" مسلسل من نوع الفانتازيا الاجتماعية، جسّد جنازة مهيبة لتكريم أرواح عاملات الفلاحة بالبلاد من خلال شخصية عيدة.

مخرج العمل عبد الحميد بوشناق يقول إنه من خلال أعماله الفنية السابقة واللاحقة يسعى إلى "تحريك المياه الآسنة"، ولا يريد أن يمر من الحياة الثقافية دون تسجيل مواقف يذكرها التونسيون مستقبلاً، لذلك اختار من خلال "رقوج" أن يدفع بالمشاهد للتفكير، لأن أحداثه وشخصياته قابلة للقراءة بأشكال مختلفة.

لكن الجميع رأى في قرية رقوج (غير موجودة في الواقع) تفاصيل تونسية، بداية من المسؤول الفاشل والفاسد الذي يعتبر الرشوة حقاً طبيعياً، وصولاً إلى محور العمل الأساسي، وهو حلم أهل القرية في بناء مدرسة الذي حوله الفاسدون واللوبيات إلى كابوس، في إطار كوميدي تراجيدي خيالي فريد.

الصحافية المختصة في الشأن الثقافي يسرى الشيخاوي تقول لبلينكس، إنه رغم اختلاف وجهات النظر بخصوص مستوى الدراما التونسية في السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لا يطمس طبيعة القضايا التي تغيرت، لتُجاري نسق التغيرات المجتمعية.

ومن الحديث عن مشاكل متواترة ومألوفة على غرار الفساد المالي والإداري، والحمل خارج إطار الزواج، ومشاكل الإرث، صار الحديث في المسلسلات يمس مواضيع مسكوت عنها، أو مغيّبة على غرار الهجرة غير النظامية وأسبابها ومسبباتها، وتجميد البويضات، ومراكز الإصلاح والاتجار بالأشخاص، والإرهاب والتهريب وغيرها من المواضيع.

وبينت الشيخاوي أن بعض المسلسلات في السنوات الماضية، أشارت إلى بعض المواضيع التي تم ذكرها سابقاً، لكن دون الغوص فيها بعمق، كما أنها اهتمت بالأمراض النفسية والأورام السرطانية، والأمراض المنقولة جنسياً، والتحرش في مكان العمل.

وتضيف "اليوم ومع التغيرات التي طرأت على الفرد والمجتمع وانفتاحه على انتاجات أخرى عربية وأجنبية، صار الطرح أكثر جرأة" لكن مع غياب حبكة وانسيابية في النص، مع بعض الاستثناءات التي ظلت راسخة في الذاكرة، وفق قولها.