معدلات الطلاق ترتفع في الأردن.. أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

هديل محمد تقول إن أبرز أسباب فشل أي زواج هي الوضع المادي، وغياب حيّز مهم من الخصوصية في العلاقة مع أهل الزوج.

تحكي الشابة: "لم أكن أدرك أن نهاية زواجي ستكون الطلاق، زواجي منذ بدايته بُني على كذبة، وبعد ذلك بدأت تتكشف الحقيقة، لأكتشف أنّ زوجي غير مستقل مادياً ويعتمد على والده بالمصروف، وأنّ خصوصيتنا تنتهك عبر استقرارنا في منزل العائلة الكبير، الضغوطات تراكمت مما جعلني أُنهي هذه العلاقة التي دامت شهرين من الزمان، ولكن حجم الألم الذي عشته منها يساوي سنين طويلة".

تبين هديل أنها لغاية الآن لم تستطع إخراج نفسها من قفص الألم، وأنّ المجتمع المحيط بها لا يرحمها لأنها أصبحت "مطلقة".

ومع حجم هذه التناقضات التي تعيشها، تبرر هذه الشابة أنّ السرعة في بناء أي علاقة يجعلها غير واضحة، "مرت خطبتي سريعاً وكنت بعمر 22 وقدرتي على التقييم بسيطة، ولهذا لم أتوقع ماذا ينتظرني".

الشابة هديل التي انفصلت عن زوجها لأسباب كثيرة، لفتت في أن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت على استقرارها بشكل أو بآخر.

وتقول "عند رؤيتي لما يدور في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيما يتعلق بالأزواج والعلاقات الأسرية، كان يسيطر علي سؤال لماذا لا تكون حياتي بهذا الشكل، ولماذا زواجي يسير بشكل مختلف".

"هذه المشاعر وهذه المقارنات زادت من توتر علاقتي مع زوجي وشعوري بالاستياء والرغبة بإنهاء هذا الزواج"، وفق وصف هديل.

خبراء ومختصون يعتبرون أرقام الطلاق في الأردن مقلقة للغاية، ومن أبرز أسبابها مواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً مدمراً بحسب مدير مركز الثريا للدراسات، الدكتور محمد الجريبيع.

يقول أستاذ علم الإجتماع، إن مجموعة من العوامل والمتغيرات التي طرأت على المجتمع الأردني، أدت إلى وجود اختلالات في الأسرة، ومنها:

• العامل الاقتصادي: أغلب الأسر تعاني في تأمين متطلبات حياتها وتواجه ظروفا معيشية خانقة.

• عامل التكنولوجيا: فوسائل التواصل الاجتماعي لم تكتف فقط بفتح المجتمعات على بعضها، وإنما عملت على خلق حياة افتراضية مثالية تختلف عن الواقع، وقدمت ما يدعى بـ"النماذج المثالية" من الرجال والنساء، الأمر الذي تسبب في زيادة المشاحنات داخل الأسرة.

يرى الجريبيع أنّ أكثر مؤسسة تتعرض للتغيرات في مجتمعاتنا هي الأسرة، وعند النظر إلى الإحصائيات فهناك مخاوف من تداعي أركان المؤسسة.

يبيّن مدير مركز الثريا للدراسات أنّ عدد حالات الطلاق في الأردن لعام 2022 تجاوزت حاجز 26 ألف حالة، وهنالك ما يقارب 70 حالة طلاق يومياً بحسب الإحصائيات الرسمية.

يقول إن نسب الطلاق عالية، "فالمشهد بمجمله غير مطمئن، وما نحتاجه فعلاً هو إعادة التوعية بهذه المؤسسة المهمة وتعليم المقبلين على الزواج كيفية إدارة رابطة الزواج المقدسة".

زواج هديل انتهى في السنة الأولى، لتصبح هذه الفتاة مطلقة وهي بعمر العشرينات، زواج انتهى كالبرق ولكن آثاره مازالت تلاحقها إلى غاية الآن.

تقول هديل "لقد كنت غير واعية تماماً لهذه العلاقة التي بنيت ودمرت بشكل سريع، ولكن الذي خفف قليلاً من احباطي هو أن العديد من الفتيات وصلن إلى نفس المصير في ذات العمر تقريباً".

بحسب ورقة حقائق أطلقها المجلس الأعلى للسكان في الأردن العام الماضي، أكدت أن المملكة احتلت المرتبة 58 عالمياً في معدلات الطلاق لعام 2023.

بيانات هذه الورقة أشارت إلى أن نحو 28 % من حالات الطلاق التي سُجلّت في المحاكم الشرعية في السنوات الـ8 الماضية، 2015-2022، كانت قبل الزفاف.

وفي ذات السياق، تشير إحصائيات الورقة لعام 2022، أن 37.5% من حالات الطلاق، وقعت على زوجات شابات أعمارهنّ دون سن 26 سنة، وإذا أضيف لهن النساء الشابات ممن في عمر 26-29 سنة، واللواتي تبلغ نسبتهن 16.5%، يمكن القول إن أكثر من نصف المتزوجات، أي 54% يقع عليهنّ الطلاق في سن مبكرة، أي قبل سن 30 سنة، وخلال السنوات الأولى من حياتهنّ الزوجية.

عندما بدأت الخلافات تزداد حدتها بين هديل وزوجها، لجأت الصبية العشرينية إلى أسرتها من أجل إبلاغهم بأنها لن تستطيع الحفاظ على هذا الزواج، وأنّ المشكلات لن تتوقف، ورغم المحاولات المستمرة للإصلاح إلا أنّ الزواج انتهى.

تقول إن "وجود جهة مختصة للتوفيق بين الزوجين أمر جيد، ولكن بالنسبة لي فقد وصلت لقرار الطلاق وكنت متأكدة منه ولم أتراجع عنه".

مديرية الإصلاح الأسري التي أنشأتها المملكة في عام 2014 من خلال 3 مكاتب، توسعت أعداد مكاتبها في فترة قصيرة لتصل إلى 27 في مختلف المناطق.

مدير مديرية الإصلاح، القاضي نايل عطاالله الدعسان يقول لبلينكس "نسعى جاهدين خلال هذه المكاتب إلى تحقيق الصلح وفقاً للقواعد الشرعية، وتجنيب الأطراف المتنازعة ما أمكن السير في مراحل التقاضي المختلفة، إذ تُقَدَّم الخدمة مجاناً في أجواء من السرية حفاظاً على حرمات البيوت".

ويضيف "في حال تعذّر الصلح، يتم إشراك الأطراف المتنازعة في صياغة اتفاقية تحفظ الحقوق، وتُلزِم بالواجبات، ليبقى الود ولا يُنسى الفضل".

يعلق الدعسان قائلاً: "وفقاً لإحصائيات عام 2022، فإن إجمالي عدد الحالات التي راجعت مكاتب الإصلاح الأسري بلغ أكثر من 72 ألف حالة، أما إجمالي عدد حالات الإحالة الذاتية، أي التي راجعت دون أن تسجل قضايا في المحاكم فهو يفوق 6 آلاف حالة".