"المستريّح".. ما لا تعرفه عن شبح يلتهم أموال المصريين

تتكرر وقائع الاحتيال في مصر عن طريق أشخاص ينجحون في الحصول على ثقة أهل القرية، من خلال حكايات وقصص وهمية تؤكد رواية الثراء الفاحش الذي يتمتعون به، ثم يتفضلون على الآخرين بمساعدتهم بتشغيل أموالهم.

يمنح "المستريّح"، وهو اللقب الذي يطلق على المحتالين نسبة للقب أول شخص يستخدم هذه الخدعة، في البداية أهل القرية التي ينصب بها الفخ فوائد شهرية ضخمة تستمر لعدة أشهر، بعد ذلك يذيع صيته في القرى المجاورة، ويتهافت عليه الجمهور من أجل منحه أموالا مقابل عقود يتم توقيعها تنص بحصولهم على فوائد تصل إلى 40%، بينما أعلى فائدة بنكية سجلت في مصر لم تتجاوز 30%.

ويلعب بعض المحتالين على وتر الدين، إذ ينصح أهل البلد بسحب أموالهم من البنوك لتفادي الوقوع في شبهة الربا، ومنحه أموالهم لتشغيلها وفقا للشريعة الإسلامية عن طريق التجارة في السيارات أو المحاصيل الزراعية والاستيراد والتصدير وغيرها من الأشياء التي يظن البعض أنها تدر أرباحا هائلة.

وتعود قصة تسمية المحتال بـ"المستريح" نظرا لاعتياد الناس في مصر إطلاق لقب "مرتاح" على الأثرياء، وتحول اللقب إلى "مستريح" بعد حصول أحد النصابين على أموال البسطاء في أسوان عام 2014، وهرب، فلقبوه بالمستريّح نظرا لأنه لن يحتاج إلى النصب أو الظهور مجددا بعدما جمع عشرات الملايين وفر هاربا.

وعانت مصر في حقبة السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي، من ظاهرة الاحتيال عن طريق توظيف الأموال، وكان ذلك يحدث عن طريق شركات شهيرة، أشهرها "الريان"، و"السعد".

وكانت هذه الشركات تمنح فوائد للمواطنين في البداية، إلى أن نجحت في جمع مبالغ طائلة، ثم فر أصحابها هاربين، والبعض الآخر وقع في قبضة الشرطة، لتختفي هذه الظاهرة لسنوات طويلة قبل أن تظهر في ثوب "المستريح" الذي يظهر بوعود وردية، ثم يختفي بعد جمع الأموال مثل الشبح.

بعد سنوات من الغياب، عادت ظاهرة الاحتيال بحجة الاستثمار لتظهر في مصر، عام 2014، بعدما ظهر شخص يدعى أحمد مصطفى أو "مصطفى البنك" في محافظة أسوان جنوبي البلاد، تظاهر بتجارته في الهواتف المحمولة، لينجح في جمع أكثر من ملياري جنيه.

واختفى "المستريح" لمدة قاربت العام، ظهرت خلالها العديد من دعاوى الاحتيال ضده من المواطنين، ليتم القبض عليه عام 2015، ويصدر ضده حكم بالسجن 15 عاما، مع رد 266 مليون جنيه للمدعين بالحق المدني في قضايا النصب والاحتيال.

الواقعة تكررت أكثر من مرة بعد "مستريح أسوان" الذي بدا وكأنه فتح باب الاحتيال على المواطنين، في وقت يفتش خلاله الناس عن وسيلة لحفظ الأموال في ظل تقلب الأحوال الاقتصادية وعدم احتفاظ الجنيه بقيمته لفترات طويلة بسبب عمليات تحرير سعر الصرف المتكررة، وارتفاع أسعار السلع.

ونشر مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية دراسة عن ظاهرة المستريح وانتشارها في مصر، خلال السنوات الأخيرة، وتكرار حدوثها رغم نشر كل تفاصيل الاحتيال التي تعرض لها الجمهور في عدة محافظات.

وكشفت الدراسة التي أجريت في الفترة بين 2011 وحتى 2018، أن جرائم النصب والاحتيال ارتفعت بشدة لتصل إلى نسبة 51.7% من إجمالي الأشخاص الذين خضعوا للدراسة، ممثلين نسبة 10% من المجتمع المصري.

وأشارت الدراسة إلى أن الإناث أكثر عرضة للوقوع ضحية لـ"المستريّح"، وكذلك كبار السن، الذين يبحثون عن الأمان المادي، مع عدم قدرتهم على إدارة وافتتاح مشاريع والعمل بأنفسهم.

ومنذ ظهور "المستريح" الأشهر في أسوان، بدأت وزارة الداخلية تكثف حملاتها الأمنية في القرى والريف، من أجل تتبع عمليات الاستثمار التي تعتمد على أشخاص.

ووجهت وزارة الداخلية نصائح للمواطنين بعدم استثمار الأموال خارج الأطر القانونية والشرعية، حتى لا يسفر ذلك عن ظهور "مستريح" جديد، والاعتماد على المصارف الرسمية للتعامل في النقد.

واعتادت وزارة الداخلية المصرية الكشف في بيانات رسمية وعبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، عن مصائر "المستريحين" الذين انتشروا في كل محافظات مصر.

ونظمت القنوات الفضائية في مصر حربا إعلامية واسعة النطاق على شبح المستريح الذي بات يظهر ويختفي بين الحين والآخر في صور متعددة، مع توجيه المواطنين لعدم التعامل مع أي شخص يعدهم بأرباح أكثر من البنوك.

وكشف مساعد وزير الداخلية لمباحث الأموال العامة الأسبق، اللواء فاروق المقرحي، عن جهود مستمرة في الوزارة منذ 1980 ضد شركات الاحتيال الشهيرة، التي تطورت صورها لتعود في هيئة "المستريح" حاليا، مشيرا إلى أن الطمع ضمن أبرز الأسباب التي تغذي المحتال وتساعده على إنجاز مهمته.