أبناء "أجانب" في ليبيا.. صعوبة العيش في وطن الأمهات

أحمد حسوبه، شاب مصري الجنسية لأم ليبية ولد وترعرع في العاصمة الليبية طرابلس ويبلغ من العمر 21 عاما. التحق حسوبه بالمدارس الليبية ولكن لظروف خارجة عن إرادته لم يستكمل تعليمه بعد الصف الـ9، ولكنه واجه بعض المعوقات في طرق الحصول على المستندات الشخصية له ولعائلته كونه أجنبي الجنسية حسب القوانين واللوائح الليبية.

يقول لبلينكس إنه ترك دراسته وهو في أمس الحاجة لاستكمال تعليمه بعد التضييق عليه، فكر في العودة للدراسة عن طريق الانتساب، إلا أنه فكر في نفس الطلبات التي تحتاجها المدارس الليبية من أرقام وطنية وشهادات الميلاد وغيرها.

يرى حسوبه أن أصعب المعوقات التي يتعرض لها هي عدم امتلاكه للرقم الوطني الذي يتداخل في كل الإجراءات الرسمية في الدولة، حاول مرارا أن يتم إجراءاته بالرقم الوطني لأمه، ولكن المؤسسات الليبية ترفض ذلك، بكونه ليس رقمه الشخصي وأصبح هذا الأمر عائقا كبيرا له.

يقول إن "والده غادر لمصر وتركه وإخوته صغارا منذ أكثر من 15 عاما"، ولم يتواصل أحمد مع أبيه مطلقا لأنه لا يجيب على اتصالاته ولا يريد التواصل معه.

يوضح أحمد أنه لا يستطيع السفر إلى مصر والحصول على أوراق ثبوتية رسمية من هناك بسبب عدم وجود سفارة مصرية في العاصمة طرابلس حتى هذه اللحظة لاستخراج وثيقة له، وفي الوقت عينه لا يستطيع ترك أمه بمفردها لأنه مسؤول عنها ولا يعولها غيره.

فهو يعمل على خدمة والدته التي تعاني من شلل الرعاش لأكثر من عشرين عاما، أقعدها المرض في الفراش وهي عاجزة تماما عن الحركة وتحتاج لرعاية طوال اليوم.

ورغم سنه، فهو يجد صعوبة بالغة عند دخوله للمؤسسات الرسمية للدولة لاستخراج مستندات والدته من المحاكم والدوائر الرسمية، لأن الدخول يتطلب إثبات هوية وهذا ما يجعل أحمد يستخدم جواز سفر أمه كإثبات هوية له لإنهاء إجراءات أمه العاجزة تماما عن الحركة.

يرى في نفسه بأنه الأحق في الحصول على الجنسية مقارنة بغيره، معللا ذلك بأنه ولد في ليبيا ومن أم ليبية، ولم يذهب إلى مصر مطلقا.

حاول دخول مجال الأعمال في ليبيا عن طريق بعض الأعمال الحرة التي يقوم بها، ولكنه أكد أن فرص العمل في المؤسسات الليبية أمر مستحيل، فلا يحق له كونه مواطن أجنبي ولا يحمل أي إثباتات شخصية ولا توجد له أي استثناءات.

الأكاديمية والحقوقية الليبية كريمة المدني توضح لبلينكس أن كل قوانين الجنسية تنصّ على أن الجنسية للأب الليبي، ولم تعترف بحق الأرض، أي الأرض التي يولد الابن عليها يحمل جنسية هذه الدولة.

وأوضحت أنه مطالبات وأصوات خافتة حتى قبل 2011، تنادي بهدوء على ضرورة إيجاد حل لمشكلة الليبيات المتزوجات من غير ليبي، خاصة عندما تكون الأم تعيش في ليبيا من دون الزوج غير الليبي، وأصبحت تهتم بأبنائها غير الليبيين الذين لا يتمتعون بالتعليم المجاني والعلاج المجاني والحرمان من الوظائف الحكومية.

تقول المدني إن "قانون رقم (24) لسنة 2010، الذي كان بمثابة المتنفس لهم، حسب المادة التي تنص على أنه (يجوز للمواطنة الليبية المتزوجة من غير ليبي أن تمنح الجنسية لأبنائها)، لكن هناك فخ في نص هذا القانون وهي أن اللائحة التنفيذية هي التي تنظم الشروط، أي تم منحه باليد اليمنى وسحب باليسرى، في تعجيز كبير في الشروط التي يصعب توفيرها من أي ليبية متزوجة من غير ليبي"، وفق توضيح الحقوقية والأكاديمية كريمة المدني.

وأضافت المدني "مع العلم أن اللائحة في المادة (7) من نفس القانون تقول: (يجوز منح الجنسية الليبية لأبناء المواطنات الليبيات المتزوجات من غير الليبيين ممن هم دون سن الرشد وذلك في حالة وفاة الأب)، في صعوبة بالغة في الحصول على هذه الإجراءات، أو ثبوت فقد الأب بعد الحصول على حكم قضائي صعب جدا، مع جملة من الشروط وهي مرور 5 سنوات حتى يعتبر المفقود ميت".

وتقول إن لذلك إجراءات طويلة، "على أن ترفق بمجموعة من المستندات منها إفادة بموافقة الولي أو القيم على حصول الطالب على الجنسية، بما أن الابن غير ليبي من هو الوصي أو الولي، أي أن الأم هنا غير وصي أو ولي لأولادها، بالإضافة إلى شهادة صحية، هل في حالة الابن مريض لا يمنح الجنسية؟ المسألة هنا تثبت أن القانون لم يفعل شيء وأُرفق بشروط تعجيزية" بحسب المدني.

وأما عن أبناء الليبيات الذين بلغو سن الرشد، وبحسب نص المادة (6) من اللائحة التنفيذية من القانون رقم (24) لسنة 2010، تقول إنه "يجوز منح أبناء المواطنات الليبيات المتزوجات من غير ليبي الجنسية الليبية وفق شروط عدة، منها أن يكون بالغ سن الرشد وكامل الأهلية، وأن يتقدم بطلب مرفق بالمستندات التالية موافقة الجهة المختصة بالشؤون الاجتماعية على زواج الأب والأم، موافقة الوالدين على ذلك، وشهادة جنسية الأم التي لابد من إثبات أنها ليبية، بالإضافة إلى شهادات ميلاد وإقامة، وشهادات حالة جنائية وصحية، وهناك ملاحظات عدة على آخر نقطتين، بهذا الأسلوب لا يتحصل على الجنسية من هو يعاني من خلل ما أو غير كامل الأهلية".

المدني كانت تواصلت مع البعثة الأممية لدى ليبيا في 2020، وعرضت عليهم الموضوع للتواصل مع الحكومة والجهات المسؤولة لتعديل اللائحة، إلا أن هذا الملف جُمد ولم يبت في هذا الإجراء حتى هذه اللحظة.

وأكدت أن هؤلاء الأبناء هم ليبيون، خاصة من انقطعت صلته بأبيه، يفترض أن يمنح الجنسية لأنه يستطيع التعامل مع جنسيته الأصلية، وفق قولها.

وانتقدت مدني قرار وزارة الاقتصاد بمنعهم من مزاولة أي نشاط تجاري.

بحسب التقديرات وإحصاءات منظمات المجتمع المدني، فإن عدد الليبيات المتزوجات من أجانب وصل إلى 15 ألف مواطنة، مع العلم أن هذا العدد غير دقيق لكون أن هناك حالات زواج تمت بعيدا عن الإجراءات الرسمية للدولة.

أما عدد الأبناء، فلا يوجد عدد محدد كون أغلب الأبناء ليس لديهم أوراق ثبوتية أو غير مدرجين في أي سجلات رسمية، وهذا ما يعاني منه أغلبهم بعدم حصولهم على أي إجراءات من طرف الأب أو الأم، في معاناة مستمرة كما حال الشاب حسوبه.

من جهته يقول الحقوقي أحميد المرابط الزيداني إن القانون الليبي وحسب التشريعات النافذة فإن القانون رقم (24) لسنة 2010 ينص حسب المادة (3) على إنه "يُعد ليبيا كل من ولد في ليبيا أو خارج ليبيا لأب ليبي"، ويعتبر قانون تمييز واضح ضد المرأة في عدم منحها حق الجنسية لأبنائها.

وأضاف الزيداني "أما موضوع حق التملك، تحضر التشريعات حق التملك للأجانب، رغم نص القرار رقم (902) لسنة 2022 وحسب مادته الأولى، يقول: يتمتع أولاد المواطنات الليبيات المتزوجات من غير ليبي بالحقوق كافة، وذكر منها مجانية العلاج والتعليم وغيرها من الحقوق، ولكن هذا النص يعتبر ناقص لأن حق التملك يعتبر من حقوق المواطنة، ولذلك لا يمكن أن يحق لأبناء الليبيات المتزوجات بأجانب التملك".

وأشار بدوره إلى أن وزارة الاقتصاد أقرت قرار رقم (508) لسنة 2022 يحظر كافة الأنشطة التجارية على غير الليبيين، وأصبح النشاط التجاري لهم ممنوع وفقا للقرار، منها الوساطة العقارية أو الاستئجار أو غيره.

وفي هذا الشأن يقول حسوبه إن حرمانه من حق التملك، ويشمل ذلك العقارات والسيارات ولا يستثني حتى الدراجة النارية، دفعه للجوء إلى تسجيل أي إجراء تمليك باسم أحد معارفه من المواطنين الليبيين لكي يستخدمها هو أو من يعاني نفس معاناته.

وفي ظل هذا الواقع، فإن حلم إيجاد منزل وعمل لتكوين عائلة هو بعيد المنال بالنسبة له، لأنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلا ولا يرغب أن تتكرر تجربته المريرة بالانتماء مع أطفاله مستقبلا.