الجلوة العشائرية.. عقوبة قاسية دفعها "أبو عمر" الأردني

يروي أبو عمر: "عندما وقعت الجريمة وباتت الجلوة أمرا محتوما، كان أبنائي في عمر المدرسة والجامعة، وكنت أعمل في التجارة ولدي مصلحتي الخاصة في المنطقة عينها، علاوة على أن الخلافات أدت إلى إحراق منازلنا التي تقدر قيمتها بمليون دينار، وإلى غاية هذه اللحظة لم يعوضنا أحد نتيجة الانتقام الذي حدث".

يواصل متسائلا "لماذا تفرض عقوبة جماعية على عائلة الجاني، وندفع ثمن رعونة أرعن، الجلوة بها انتهاك لحقوقنا".

ووفقا لوجهة نظره فإن الجلوة يجب أن تنتهي تماما وأن يسود القانون.

في إطار سعي الدولة إلى المضي بإصلاح هذا العُرف العشائري الذي يعد ملفا شائكا، وصولا إلى مرحلة المذنب فقط من يدفع ثمن أفعاله، وأن يتم الاحتكام فقط للقضاء، أقرت وزارة الداخلية الأردنية في عام 2021 "وثيقة ضبط الجلوة العشائرية".

واقتصرت هذه الوثيقة على الجاني وأبنائه الذكور ووالده، وأن لا تزيد مدتها على سنة قابلة للتجديد بموافقة الحاكم الإداري المختص، مع العلم أن هذه الوثيقة أيضا تلاقي جدلا بين المواطنين.

وبحسب بيان لوزارة الداخلية الأردنية العام الماضي، فأكثر من 6 آلاف شخص عادوا إلى منازلهم منذ بدء تطبيق بنود وثيقة ضبط الجلوة العشائرية.

يتساءل أبو عمر الذي عاش الجلوة التي انتهت قبل أشهر، ما ذنب مئات العائلات أن ينفذ عليها أمر الترحيل الفجائي؟ ولكن العشائر تنظر لها باعتبارها خطوة لتهدئة النفوس.

يشير مدير مركز الحياة-راصد ، دكتور عامر بني عامر أنه من الواضح أن هناك توجّها لدى الدولة لمحاصرة هذا العُرف، خلال السنوات الأخيرة انطلاقاً من أهمية فرض سيادة القانون بالتزامن مع حالة الوعي المجتمعي عن آثارها، مع ضرورة العلم أن العنف (القتل، الاغتصاب) الذي يؤدي للجلوة مستواه ليس مرتفعا.

وبيّن بني عامر في تصريحات لبلينكس أن الجلوة العشائرية هي مخالفة للدستور والقانون لأنك تعاقب من لا ذنب له وتشّرد الأسر من دون وجه حق، وفي العادة الجلوة تحدث من أجل منع وقوع أعمال انتقامية بحقهم من جانب ذوي المجني عليه (فورة الدم)، وأيضا إفساح المجال أمام الجهود العشائرية للسير في صلح بين الطرفين ينتهي بإعادتهم إلى ديارهم، وفق شرحه.

وفي دراسة أعدها المركز عن الجلوة، أظهرت أنّ كل فئات المجتمع الأردني تأثرها في الجلوة العشائرية، سواء أكانت تعيش في البادية أو الحضر، سواء أكانت مسلمة أو مسيحية، الجلوات حدثت في كل المناطق، وتأثر آلاف الأشخاص منها ومن كل الفئات العمرية.

لفت بني عامر أن خطوات وزارة الداخلية جيدة، ولكن إلغاء الجلوة بشكل كامل فهو أمر صعب كونها عُرف عشائري، والبنية الاجتماعية للأردن تقوم على العشائرية، ويحتاج الإلغاء إلى التدرج والحسم والجدية في تطبيق القانون.

يلفت أبو عمر إلى أنّ القضاء العشائري كان حاضرا بقوة في فترة ما قبل قيام الدولة الأردنية عام 1921، للفصل بين النزاعات العشائرية في ظل عدم وجود قانون أو نظام يحدد القواعد والأطر العامة للحقوق، أما الآن فإن الظروف تغيرت والقانون أصبح راسخا، وهذا من شأنه أن يلغي هذا العُرف.

وعبّر المفوض العام الأسبق للمركز الوطني لحقوق الإنسان، الدكتور موسى بريزات، في حديثه لبلينكس أنّ البديل هو قانون صارم يقوم على محاصرة الشخص الذي قام بالجريمة ومعاقبته بالأسلوب عينه، ومن يعتدي على المال العام، عليه أن يحاسب.

أكد بريزات أن الجلوة بها انتهاك للحقوق، أبرزها حق التعليم والأسرة والتنقل والسكن، وعندما تنفذ الجلوة يتضرر الأطفال والمسنين والمرضى ومن يعملون بوظائف محددة، وغير ذلك من مصالح للأسر.

الجلوة قديما من حيث المفهوم، كانت منطقية كونها تريد إيقاف الاشتباكات، ولكن بمرور الوقت وفي ظل ترسيخ القانون أصبح تطبيقها عليه الكثير من الملاحظات، برأي بريزات.