مجتمع
.
تحتفل التونسيات في 13 أغسطس من كل عام بـ"العيد الوطني للمرأة"، الذي يتزامن مع تاريخ إصدار مجلة الأحوال الشخصية عام 1956، أي سنة الاستقلال، التي تنص على قوانين منظِمة للأسرة، مكّنت المرأة التونسية من عدة مكتسبات.
في الأعوام الأخيرة تحوّلت هذه المناسبة الاحتفالية إلى فرصة لاحتجاج نسوي للمطالبة بتحسين وضعية النساء فيما ينظر لهن كاستثناء عربي.
فماذا نعرف عن هذه المكتسبات وماذا تريد المرأة التونسية من حقوق إضافية في هذه المناسبة السنوية؟
تحت أشعة الشمس الحارقة في منطقة وادي الليل قرب العاصمة التونسية، تنتشر النسوة للعمل في الأراضي الزراعية الممتدة، في حين يقف رئيسهم تحت جذع شجرة زيتون ليتفادى قيظ الصيف وهو يراقب حركتهن السريعة.
في الأثناء تتسلق فوزية شجرة خوخ لتخفيف ما علق بأوراقها من حبات تالفة، حتى يزيد حجم الثمرات الطازجة ويجني صاحب الأرض أرباحا أكبر.
تقول فوزيّة لبلينكس إنها تبلغ 42 سنة، قضت نصفها في القيام بأعمال شاقة لمساعدة أهلها أولا، ثم إعالة أبنائها بعد زواجها من ابن عمها.
توضح أنها اشتغلت طيلة 10 سنوات في مصنع لفرز الملابس المستعملة مقابل 400 دينار، نحو 150 دولارا شهريا مقابل 8 ساعات في اليوم في وضعية انحناء، لأن صاحب العمل كان يعتبر أن جلوس العاملات في وضعية مريحة سيفتح بينهن أحاديث ونقاشات قد تلهيهن عن تقديم مردودية أفضل.
بعد قضاء أعوام في فرز الملابس التي تنبعث منها رائحة المواد الكيميائية، أصيبت فوزية بمرض مزمن في جهازها التنفسي وصعوبة في الحركة بسبب آلام الظهر فاتجهت إلى العمل كسائر نساء المنطقة في القرى والزراعة.
تكشف فوزية أنها تتقاضى 20 دينارا في اليوم، نحو 7 دولارات، وهي راضية بهذا الأجر، لأن غيرها من العاملات يتقاضين نصف المبلغ. لكنها في المقابل تصل إلى الحقل على متن صندوق شاحنة تتكدس فيه بين 15 و20 عاملة، إذ يعمد السائق إلى سكب الماء حتى تضطر النسوة إلى الوقوف طوال الطريق وتسع الشاحنة أكثر عدد ممكن منهن.
تجيب بابتسامة واسعة محاولة إخفاء إنهاكها على سؤالنا بخصوص أحلامها كامرأة تونسية خصّتها التشريعات منذ 68 عاما بمكانة خاصة: إنها لا ترغب إلاّ في الذهاب لعملها في وسيلة نقل تحفظ كرامتها وسلامتها الجسدية.
وتقول: "سئمت من نظرة الشفقة على وجوه المارة، كما أن سنّي لم تعد تسمح بهذا الشقاء، خاصة في غياب أي تأمين أو تغطية صحية".
فوزية هي واحدة من 600 ألف عاملة، أي ما يمثل 80% من الناشطين في قطاع الفلاحة، حسب ما أكدّه رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة غير حكومية.
يضيف بن عمر أن عشرات النساء توفين خلال السنوات الماضية بسبب ظروف العمل القاسية، مشيرا إلى أن بعضهن يصطحبن أبناءهن الرضع للحقول، خاصة اللاتي يتنقلن موسميا خارج محافظات إقامتهن لجني الطماطم والفواكه صيفا.
ويؤكد أنه لا يمكن إنكار المرتبة المهمة للمرأة التونسية في عدة مجالات، إذ أظهرت دراسة لمعهد الإحصاء التابع للأمم المتحدة للتربية والعلوم أنها متفوقة عربيا وأفريقيا في مجال البحث العلمي، باعتبار أن أكثر من 55 % من الباحثين التونسيين هم من الإناث.
يقول مستدركا إن هذه النجاحات لا يمكن أن تخفي إنكار السلطات لمئات الآلاف من المهمشات اللاتي لا يعنيهن الشعارات النسوية، بقدر رغبتهن في الحصول على حقوق اقتصادية واجتماعية كاملة.
في مكان غير بعيد عن مقر عمل فوزية وزميلاتها، تستعد فريال شرف الدين، رئيسة جمعية كلام، وبقية مكونات الحركة النسوية التي تضم مجموعة "الديناميكية النسوية" في تونس، للاحتجاج يوم 13 أغسطس عبر مسيرة بشوارع العاصمة.
تقول شرف الدين إن هذا التحرك يأتي تعبيرا عن رفض الاحتفال باليوم الوطني للمرأة في ظل تواصل انتهاك حقوقها المدنية والسياسية، إلى جانب المطالبة بالإفراج عن النساء السجينات بسبب نشاطهن في الحقل العام.
وتوضح أن جرائم قتل النساء على يد أزواجهن أو أحد أفراد العائلة، تضاعفت 4 مرات خلال السنوات الـ5 الأخيرة بتسجيل 69 جريمة منذ مطلع 2018 إلى غاية منتصف 2023، في حين ارتفعت الحصيلة بشكل مفزع خلال هذا العام.
وترجع شرف الدين هذه الظاهرة إلى تكريس سياسة الإفلات من العقاب رغم ترسانة التشريعات التي تفتخر بها تونس، خاصة قانون مكافحة العنف ضد المرأة المعروف بقانون 58، وذلك لأن الإشكال يتعلق بطريقة التنفيذ وغياب إرادة السلطات في الحد من التطبيع مع العنف وتبريره، خاصة في الفضاء الرقمي.
تقول الناشطة الحقوقية إنها ومنذ انخراطها في المجتمع المدني كانت هدفا للمعارضين لنشاطها، خاصة خلال فترة حكم حركة النهضة، إذ كانت تتلقى رسائل تهديد وتكفير لدفعها نحو الكف عن المطالبة بتمكين التونسيات من مزيد من الحريات، لكنها ترى أنها ليست استثناءً لأن كل النساء يلدن "نسويات بالفطرة"، وفق وصفها.
عن مجلة الأحوال الشخصية، توضح فريال شرف الدين أن إصدارها قبل نحو 70 سنة كان قرارا جريئا وثوريا من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في سياق انتشر فيه الجهل مباشرة عقب الاستقلال، فلم يكن من الهين منع تعدد الزوجات وتجريم الطلاق الشفوي وتركه بيد المحكمة.
وتضيف قائلة "أما اليوم فالمجلة ما زالت تقرّ بولاية الأب على الأسرة، وتعتمد النص الديني في تقسيم الميراث، وبالتالي فهي عاجزة عن مواكبة ما حققته التونسيات على امتداد 7 عقود، وما راكمته من إنجازات ونضالات حتى أصبحت قانونا رجعيا لا يعترف بالمساواة التامة".
تشير شرف الدين إلى أن المطالبة بتغيير وضع الحريات العامة والفردية للتونسيات لا يقلّ أهمية عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأن العمل النسوي يجب أن يكون في كل الاتجاهات بعيداً عن الشعارات التي جعلت من الناشطات محل سخرية وتندّر على السوشيال ميديا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة