"سحر وجرائم".. عالم ما بعد الموت في مقابر مصر

في إطار غير قانوني، يستغل البعض حاجة الناس، ويعدونهم بتحقيق أعمالهم عن طريق الأعمال السحرية السفلية التي تدفن في المقابر أو بداخل الجثث ذاتها أحيانا.

وليست الحاجة فقط هي الدافع لأعمال المقابر السحرية المدفونة، فقد يتجه البعض لإيذاء شخص أو جهة من خلال القيام بأعمال سحرية مادية ودفنها في المقابر، وفقا لاعتقادهم.

وبدلا من أن تصبح المقابر مكانا لزيارة الموتى والدعاء لهم، باتت ملعبا رئيسيا لعالم السحر والأعمال السفلية التي يؤمن بها الكثير من الناس في مصر ويُقدِمون عليها من خلال الدجالين.

وفي حديث مع بلينكس، قال جمال محمد، أحد عمال المقابر بمنطقة السيدة نفيسة: "اكتشفنا بعض الأعمال السحرية التي ألقاها الناس في التّرب، ونُنظِّف المقابر بين الحين والآخر لاستخراج مثل هذه الأشياء".

ويضيف جمال: "نحرس منطقتنا جيدا، ونمنع المتسللين من الدخول، ونقوم بما يشبه دوريات الحراسة، حتى لا يدخل أحد في جنح الليل ويرتكب جرائمه، سواء بنبش القبور أو دفن أعمال سحرية. لكننا وجدنا أشياء قديمة مرّ عليها عشرات السنين، وفي مقابر أخرى قريبة، نجد الكثير من صور الأشخاص مصحوبة بخيوط وآلات حادة وطلاسم بغرض الإيذاء".

وينتشر الأمر بكثرة في القرى المصرية، إذ ينظّم الأهالي أحيانا حملات شعبية مع أشخاص يقولون إنهم يعملون على إبطال مفعول السحر، ويتجولون بعد صلاة الجمعة في المقابر، للبحث عن أعمال سحرية وانتشالها وإبطال مفعولها، وفقا لمعتقداتهم.

وتقول السيدة عواطف، البالغة 55 عاما، في حديث مع بلينكس، إن والدتها كانت ضحية لعمل سحري مدفون في المقابر، اكتُشِف بعد سنوات من خلافاتها الزوجية، وكان هدفه أن يرى الأب والدتها مثل "القردة"، وعند فك العمل بعد اكتشافه في مقابر الأسرة، تحسنت الأمور بينهما، على حد قولها.

ويُفضّل السحرة دفن الأعمال داخل المقابر ليصعب الوصول إليها، لكن مع إغلاق المقابر بإحكام، يضطرون أحيانا إلى دفنها في محيط المقبرة، مما يجعل العثور عليها أمرا سهلا بالنسبة إلى حراس المقابر.

ويوضح جمال: "لكل مقبرة باب مغلق بقفل حديدي بإحكام، والعين التي يُدفن بها الميت تغلق بالحجارة وأحيانا بأسمنت البناء، حتى يصعب دخولها ليلا إلا بالتكسير والعنف الذي يستحيل معه الصمت، ولو نجحوا في التكسير واقتحام المقبرة، سنعرف في الصباح من أثر الفوضى التي سيتركونها".

قبل أيام، كان لاعب كرة القدم السابق في النادي الأهلي المصري مؤمن زكريا، بطلا لأشهر حادثة سحر أسود مدفون في المقابر، بعدما انتشر مقطع فيديو لانتشال صورته مع بعض الطلاسم السحرية من إحدى المقابر.

وتبيّن بعد ذلك أن المقبرة التي دُفن بها السحر ضد مؤمن زكريا، مملوكة لعضو اتحاد كرة القدم الأسبق ونجم منتخب مصر المعتزل مجدي عبدالغني، لتصبح القصة قضية رأي عام.

وتتبعت وزارة الداخلية الأمر، وبعد التحريات المكثفة والسريعة ضُبط حراس المقبرة الموجود بها العمل السحري، واعترفوا بأن الأمر برمته عبارة عن فبركة من طرفهم، بغرض انتشار الفيديو وكسب المال من الضحية.

ووضع حارس المقبرة صورة مؤمن زكريا داخل مقبرة مجدي عبدالغني، وكتب عليها الطلاسم السحرية مع دُمية، ودفنها جيدا، ثم استدعى نجله لتصوير عملية انتشال العمل، لتحقيق الرواج المطلوب على الإنترنت.

وألقت الشرطة القبض على 4 أشخاص شاركوا في فبركة القصة، واتُّخِذت الإجراءات القانونية حيالهم، بعد أن استدرجوا اللاعب إلى المقبرة لرؤية العمل بنفسه، وأوهموه بأنهم أبطلوا السحر، وأنه سيعود من جديد لحياته الطبيعية.

وتعرّض مؤمن زكريا لمرض نادر للغاية وهو "التصلب الضموري الجانبي في العضلات"، ما جعل حركته صعبة، وبالطبع أجبره على الاعتزال المبكر، ولا يجد الأطباء الذين زارهم في مصر وإنكلترا وأميركا أي علاج يناسبه.

وبعد إعلان فبركة فيديو السحر، قال البعض على مواقع التواصل الاجتماعي إن مؤمن زكريا قد يكون بالفعل ضحية لعمل سحري غير المُفبرك الذي ضُبِط، بسبب عدم وجود علاج لمرضه، وتغير حاله بين ليلة وضحاها، بعد أن كان لاعبا مميزا دوليا.

وفي حديث تلفزيوني، قال الدكتور إبراهيم رضا، أحد علماء الأزهر الشريف، إن تصديق مثل هذه الأمور يضع الشخص في حالة من "العته"، مضيفا: "النافع هو الله والضار هو الله، السحر مذكور في القرآن، لكن قال الله: [وما هم بضارّين به من أحد إلا بإذن الله]".

إذا نجا الميت من دفن أعمال سحرية بجواره أو بداخله، فقد لا ينجو من لصوص القبور الذين يسرقون الجثث ذاتها، أو عظامها، لبيعها لطلاب كليات الطب الذين يحتاجونها للدراسة.

ويلجأ بعض الطلاب إلى التعامل مع عُمال المقابر لشراء العظام منهم وأخذها في منزلهم للدراسة عليها، كما قد يشترك بعض الطلبة في شراء جثة كاملة والتجمع من أجل تشريحها، وبالطبع كل هذه الأشياء تحدث في إطار غير قانوني.

ويقول جمال علي، حارس المقابر: "هذا أمر يُنافي الدين والأخلاق، لا يقبل أحدنا أن تتعرض جثته للتقطيع والسرقة، ولذلك لا نقوم بمثل هذه الأشياء من أجل الإنسانية قبل أن يكون من أجل القانون الذي يُجرم الأمر".

وفي حديث مع بلينكس، قال أحمد سعيد، طبيب عظام، إن كل الطلاب في أثناء الدراسة كانوا يحصلون على عظام من المقابر بمبالغ مرتفعة، ومعهم فتاوى دينية من علماء بالأزهر بجواز ذلك.

ويضيف سعيد: "اضطررت للدراسة على عظام بشرية حقيقية، لكنني لم أقم بشرائها من عمال المقابر، فقد كانت عند مجموعة من الأصدقاء، وتجمعنا لدراستها أكثر من مرة".

ويدفع أصحاب المقابر الخاصة رواتب شهرية لحراس من أجل الجلوس في المقبرة على مدار اليوم، لمنع سرقة الجثث بعد دفنها، أو العظام بعد مرور أشهر على الدفن.

ووثقت الكثير من الأعمال الدرامية والسينمائية في مصر على مدار السنوات، عمليات دخول المقابر لشراء الجثث والعظام لدراسات كلية الطب، غير أن الأمر ما زال مُجرّما ويُعاقب من يرتكبه، وفقا للقانون المصري.