ازداد العنف ضد النساء والفتيات في المملكة المتحدة، فلجأت حكوماتها إلى إطلاق عدد من الاستراتيجيات لمعالجة هذه الظاهرة التي سجلت ارتفاعا في معدلاتها عاما تلو الآخر، ورغم ذلك لم تتحقق حتى الآن النتائج المنتظرة، حسب تقرير صادر عن المكتب الوطني للمراجعة في بريطانيا.
منذ عام 2012 اعتمدت وزارة الداخلية استراتيجيات عدة، ورغم ذلك فإنه لا تزال معدلات العنف مرتفعة، مما يثير تساؤلات حول فاعلية تلك التدابير والإجراءات المتخذة.
في هذا الشأن، أوضح التقرير أن وزارة الداخلية حققت 78% من الالتزامات المدرجة في استراتيجياتها بحلول منتصف 2024، إلا أن معظم هذه الالتزامات اقتصرت على أنشطة تنظيمية مثل الاجتماعات وإصدار التوجيهات، دون تحقيق تغيير حقيقي في الواقع. كما أشار إلى أن الجهود ركزت بشكل أكبر على إعادة تأهيل الجناة بدلًا من الوقاية من الجرائم في المقام الأول.
رغم الميزانية والأبحاث.. استراتيجية مكافحة العنف في انكلترا "فاشلة" (أ.ب)
وأكد التقرير أن تحقيق هدف الحكومة المتمثل في خفض العنف ضد النساء والفتيات إلى النصف خلال العقد المقبل، يتطلّب قيادة قوية وتنسيقًا فعالًا بين الجهات الحكومية المختلفة، بالإضافة إلى استثمار المزيد في الأبحاث والتدخلات القائمة على الأدلة لتطوير خطط أكثر تأثيرًا وفاعلية.
فما هي الاستراتيجيات التي أُطلقت لمحاربة هذه الظاهرة؟ وما دور الشرطة والقضاء في خفض معدلاتها؟ وما نوع الجرائم المرتكبة ضد النساء والفتيات؟
اعرف أكثر
في عام 2021، أطلقت وزارة الداخلية في المملكة المتحدة استراتيجية جديدة لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، وهي الثالثة من نوعها منذ عام 2010. على أثر ذلك خصصت الوزارة ميزانية قدرها 4.2 مليون جنيه إسترليني لتمويل أبحاث تهدف إلى استكشاف أفضل الطرق لمواجهة هذه الظاهرة.
حملت الخطة آمالًا كبيرة بتحقيق الأمان والتغيير الاجتماعي، لكن بعد مرور 3 سنوات، كانت النتائج بعيدة عن التوقعات، وفقا لتقييم أجراه المكتب الوطني للمراجعة.
رغم الميزانية والأبحاث.. استراتيجية مكافحة العنف في انكلترا "فاشلة" (Getty Images)
وكشف التقييم عن غياب رؤية واضحة لدى الجهات الحكومية حول كيفية إنفاق الأموال المخصصة للاستراتيجية، وما إذا كانت السياسات المتبعة تؤدي فعلاً إلى تحسين أوضاع الضحايا.
وفي تصريح نقلته صحيفة الغارديان، عبّر السير جيفري كليفتون-براون، رئيس لجنة الحسابات العامة بمجلس العموم، عن خيبة أمله قائلاً: "إن النهج الحكومي غير المنسق في التصدي لوباء العنف ضد النساء والفتيات فشل حتى الآن. من المخيب للآمال أن وزارة الداخلية لا تعرف كيف يتم إنفاق الأموال وما إذا كان لذلك أي تأثير ملموس".
يشير موقع الحكومة الرسمي في المملكة المتحدة إلى أن النساء تتعرّض إلى أنواع عدة من الجرائم مثل الاغتصاب والعنف الأسري، والمطاردة، والإساءة المرتبطة بما يُعرف بـ"الشرف"، بالإضافة إلى الجرائم التي تُرتكب عبر الإنترنت.
وبلغت جرائم العنف ضد النساء والفتيات أكثر من مليون جريمة، مما يعني أن واحدة من كل 12 امرأة في إنجلترا وويلز تتعرض للعنف سنويًا، وفقا لتقرير أصدره مجلس قادة الشرطة الوطنية. وأوضح التقرير أن الجرائم المرتكبة ضد النساء تمثل 20% من معدل الجرائم التي تُقدّر بـ9 ملايين، وفقا للمكتب الوطني للإحصائيات.
وعلى الرغم من الجهود الحكومية للحد من جميع أنواع العنف ضد النساء، رصد المكتب الوطني للمراجعة أن معدلات الاعتداءات الجنسية كانت أعلى في فترة عامي 2023-2024 مقارنة بـ2009-2010، حيث ارتفعت من 3.4% إلى 4.3%، وفقا لمكتب المراجعة.
كما سجلت الشرطة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الحوادث المبلغ عنها والمتعلقة بالاغتصاب والاعتداء الجنسي، حيث قفزت من 34 ألف حالة إلى 123 ألف حالة في عامي 2023-2024. ويُعزى جزء من هذا الارتفاع إلى التحسينات التي طرأت على عمليات تسجيل وتوثيق هذه الجرائم.
أشار التقرير السنوي لتقييم الشرطة في إنجلترا وويلز لعام 2023 إلى أن الشرطة لا تزال تقصّر في حماية النساء والفتيات من العنف وتحقيق العدالة للضحايا. رغم الجهود المبذولة لتحسين الأداء، فإن العديد من الضحايا لا يحصلون على الاستجابة المناسبة أو الكافية من الشرطة، ما يعزز حالة عدم الثقة بينهم وبين الأجهزة الأمنية.
أظهر استطلاع للمفوضية المعنية بشؤون الضحايا أن 71% من النساء اللواتي تعرضن للعنف أعربن عن عدم رضاهن عن تعامل الشرطة مع قضاياهن. وأشار تقرير المكتب الوطني للمراجعة إلى أن الشرطة تواجه صعوبات كبيرة في معالجة التحقيقات الجنائية، حيث يتم تصنيف عدد محدود فقط من القضايا كجرائم تستوجب محاكمة الجناة.
كما يعاني النظام العدلي من بطء الإجراءات، إذ قد تصل فترات انتظار القضايا في المحاكم إلى 158 يومًا، وهو ما يعوق بشكل كبير حصول الضحايا على العدالة.