مجتمع

للخبز في غزة حكاية.. عبدالكريم يعيد "صاج العائلة" للحياة

نشر
Heba Alhamarna
 & 
في قلب غزة الممزقة من آثار الدمار، يقف الشاب عبدالكريم محمد بشير فرج، البالغ من العمر 25 عاما، كرمز حي للبقاء في وجه الحرب وظروف الحياة القاسية.
ورث عبدالكريم مهنة صناعة خبز الصاج الفلسطينية عن آبائه وأجداده، وهي مهنة تُشكّل جزءا لا يتجزأ من التراث الفلسطيني، إذ يُعتبر خبز الصاج "رمزا للأصالة والهوية"، ويحكي عبدالكريم لبلينكس: "كل شيء لدينا يُصنع يدويا، نخبز ونقطع بأيدينا رغم أن لدينا آلات باهظة الثمن كانت تقطع وتعجن، لكننا اخترنا العمل اليدوي".

حياة عبدالكريم ما قبل الحرب

كانت الأيام الماضية تحمل ذكريات الإنتاج السهل حين كانت العملية تكتمل خلال ساعتين فقط باستخدام آلات حديثة تعمل على القطع وتعجن العجينة، بينما اليوم تغير المشهد جذريا.
ويروي عبدالكريم: "كنا نخبز على الغاز وليس على الحطب، وكل يوم نعمل يدويا مما يأخذ من أعمارنا وصحتنا، خاصة نحن الشباب".
أما الآن، فوجد عبدالكريم نفسه وعماله مضطرين للعمل تحت ظروف شاقة، إذ تبدأ ساعات العمل من الرابعة فجرا وتمتد حتى المساء، حيث يلاحقهم التعب والإرهاق البدني والنفسي.
ولم تقتصر الحرب على تدمير المخابز، إذ تضرر أو دمّر نحو 69% من مباني القطاع، أي ما مجموعه 170 ألفا و812 مبنى حتى الأول من ديسمبر 2024، بحسب آخر تقييم للأضرار أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات).

للمخبز تاريخ.. وتكلفة

لمخبز عبدالكريم تاريخ يمتد لحوالي 50 عاما، وهو المكان الذي جمع بين الإرث والتقاليد العريقة. وبعيدا عن أن الحرب هدمته، خسر عبدالكريم وعائلته الآلات والمعدات الثمينة التي تُقدر قيمتها بـ80 ألف دولار، بما في ذلك:
  • 3 عجانات.
  • 3 أفران آلية كانت تُستخدم في إنتاج الخبز.
  • 3 أفران أخرى لإنتاج خبز الصاج العراقي، تُقدّر قيمتها بحوالي 80 ألف شيكل.
لم تكن الخسائر مادية فحسب، إذ قتل شقيقه وأصيبت زوجة الأخير في قصف استهدف منزلهم. وبالرغم من كل هذا الدمار، يصر عبدالكريم على مواصلة العمل من أجل الناس، قائلا: "علينا أن نعيش، وأن نوفر لقمة العيش لأهلنا وإخوتنا، ونؤمّن الخبز للناس، خاصة في ظل عدم وجود مخابز أخرى".
لم يكن الخيار أمام عبد الكريم سوى الاستمرار، فبعد فترة الحصار، ورغم الدمار الذي خلفته الحرب، شرع هو وزملاؤه في إعادة بناء المخبز باستخدام أدوات بدائية جدا، فقاموا بإزالة الأنقاض وتنظيف المكان وتحويله إلى كشك متواضع يعملون فيه يدويا دون عجّانات أو آلات، ويعتمدون حتى على جمع الحطب بأنفسهم كمصدر وحيد للطاقة في ظل غياب الغاز أو أي وسيلة بديلة.
ويعمل عبدالكريم مع 5 شباب، وفي بعض الأيام ينضم إليهم 2 إضافيان لتوفير قوت يومهم، على الرغم من خطورة العمل وظروف المعيشة التي تكاد لا تلبي أبسط مقومات الحياة.
الحياة في القطاع لعبدالكريم أصبحت "مرهقة" إلى درجة أن أبسط احتياجاتها لم تعد متوفرة، ويوضح أن الحمامات غير صالحة للاستخدام تقريبا، والمدارس والمؤسسات العامة لا تعمل.
ويضطر عبدالكريم إلى الذهاب إلى غرب جباليا لاستخدام حمام نظرا لتعطل المرافق الأساسية في المكان. ويعكس كلامه واقع الحياة في غزة، إذ يقول: "نحن نخاطر بحياتنا من أجل أن نعيش، لكننا لا نريد مغادرة مكاننا، فلا نُجبر على الرحيل عن وطننا وأرضنا".
وقالت وزارة الصحة في غزة، الأحد، إن ما لا يقل عن 46 ألفا و913 فلسطينيا قُتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى إصابة 110 آلاف و750 آخرين.
وقدرت دراسة حديثة وقوع 64 ألفا و260 حالة وفاة بسبب الإصابات المؤلمة في غزة في الفترة ما بين 7 أكتوبر 2023 ، و30 يونيو 2024. ويحكي عبدالكريم: "مهما كان الثمن باهظا، فإن حب الوطن والتمسك به يجعلنا نستمر في العمل رغم كل شيء".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة