مجتمع

حمّى الذهب في سوريا ما بعد الأسد.. بحثٌ عن الأمل تحت الركام

نشر
blinx
في حي جوبر الدمشقي، حيث لا تزال آثار الدمار ظاهرة، تحوّلت الليالي من صمت الحرب إلى حركة تنقيب مستمرة. فبعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، انتشرت موجة وُصفت من قبل صحيفة فايننشال تايمز بأنها "حمّى وطنية للكنوز".
وفقاً للصحيفة، بدأ السكان في دمشق ومدن أخرى بالخروج ليلاً مزوّدين بأجهزة كشف المعادن، بحثاً عن كنوز يعتقدون أنها دُفنت منذ قرون.
يقول أبو وائل، وهو رجل في أواخر الستينيات من العمر: "في ظل النظام، كان من المستحيل الخروج للصيد في ليلة يكتمل فيها القمر".
اليوم، اختلف الوضع. يقول أحد التجار إن أجهزة كشف المعادن لم تكن متاحة للبيع سابقاً، لكن خلال هذا العام افتُتحت متاجر متخصصة عدة في دمشق، تعرض أجهزة يصل سعر بعضها إلى 10 آلاف دولار، وتُزيَّن واجهاتها بصور أعلام سورية وقطع ذهب وأشخاص يلوّحون بأجهزة حديثة.
ومع الانهيار الاقتصادي وتراجع قيمة العملة، أصبح التنقيب عن الكنوز وسيلة يحاول بها البعض تحسين أوضاعهم المعيشية. وتشير الصحيفة إلى أن كثيراً من السكان يستندون إلى روايات شعبية عن كنوز دُفنت في العصور الرومانية أو البيزنطية أو العثمانية، رغم غياب الأدلة الأثرية.

روايات متوارثة ومحاولات متكررة

الرسام البريطاني جورج باتلر أعدّ تقريراً لمركز بوليتزر من سوريا حول حمى التنقيب عن الكنوز، ونقل عن عمرو العظم، أستاذ التاريخ والأنثروبولوجيا في جامعة "شوني ستيت" بأوهايو، والذي سبق أن عمل في مديرية الآثار السورية قائلاً: "كل شخص في منطقتنا يعرف قريباً له كان يحفر في بيته ووجد جرة مليئة بالذهب.. هذه من الروايات المتجذرة في أساطيرنا".
كما نقل باتلر عن أحد بائعي أجهزة التنقيب عن المعادن في دمشق قوله إن الطلب عن الأجهزة زاد بعد سقوط نظام الأسد وأنّ بعض المتاجر تعرض أجهزة أميركية وصينية، مزوّدة بتقنيات ثلاثية الأبعاد ومقاومة للماء.
لكن فرص النجاح تبقى محدودة. يقول أبو وائل، الذي قضى 40 عاماً في البحث من دون أن يعثر على شيء: "بعض الناس يبيعون أوهامًا"، ويحذر من منجمين ومشعوذين يقدّمون خدمات تفسير النقوش مقابل المال، مضيفاً: "حتى لو وجدت الذهب، هناك مثل شعبي يقول: من يجد الذهب يفقد عقله".

الحفر في جوبر.. بين الأطلال والآمال

في جوبر، حيث دُمرت معظم المنازل، يصف مركز "بوليتزر" مشهدًا يعتمد على أدوات بسيطة ومعتقدات قديمة.
على هاتف سردار، وهو في الثلاثينات من عمره، صور لعملات بيزنطية ونقوش دينية، يُقال إنها عُثر عليها قرب منزله. يقول: "اليهود دفنوا ذهبهم هنا قبل ألفي عام". يبيت هو ومجموعته في سياراتهم لحماية مواقع الحفر.
أما أبو محمد، في الخمسين من عمره، فيزعم امتلاكه خبرة تمتد لـ20 عاماً، ويستخدم جهازًا يقول إنه "يعمل عبر الدم". وكان قد اعتُقل في وقت سابق من قبل فروع المخابرات بسبب أعمال التنقيب، لكنه عاد اليوم ليؤكد أن "العمل مربح".
إلا أن التنقيب لا يخلو من الخطر، فيشير "بوليتزر" إلى مقتل 3 أشخاص في مارس 2025 شمال دمشق بسبب الألغام، فيما تعكس الجبائر التي يحملها بعض المنقبين إصابات تعرّضوا لها أثناء العمل.

ذكريات مهدّمة ومحاولات مستمرة

بحسب تقرير الرسّام البريطاني، جورج باتلر، على موقع مركز "بوليتزر"، فإن احتمالات العثور على كنوز في جوبر ضئيلة رغم تاريخ الحي الطويل الممتد عبر العصور العثمانية والبيزنطية والرومانية، وبعض العادات الدينية التي ارتبطت بدفن الذهب مع الموتى.
بجانب كنيس "إلياهو هانافي"، الذي بُني عام 730 قبل الميلاد ودمّره القصف في 2014، رصد باتلر موقع حفر عشوائي داخل منزل مهدّم. تحت ما كان مطبخاً سابقاً، حفرة عميقة صعد منها ثلاثة رجال غطاهم الغبار عبر سلمين خشبيين، وسط إضاءة خافتة من شريط إنارة يعمل بالبطارية.
وفي موقع آخر تحت أنقاض مسجد جوبر، كان الشقيقان ربيع (53 عاماً) وعبد الكريم (70 عاماً) يحفران بحثاً عن "كنز جدهما".
قال ربيع: "نحن نحفر عن الذهب.. أجدادنا أخبرونا أنّ الذهب هنا، لكننا لم نعثر سوى على الحجارة".
وقد تضرّر منزلهم بصاروخ عام 2012، ولم تبقَ منه سوى جدران قليلة، وتحتها حفرة ضخمة أنجزها سبعة عمّال خلال أسبوعين باستخدام حفّارات تعمل على مولد كهربائي.
ورغم الجهد والخطورة، لا يزال الكثيرون يرون في هذا التنقيب فرصة نادرة وسط واقع صعب لا يقدم بديلاً.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة