صنع السباح التونسي الواعد أحمد الجوادي الحدث في بطولة العالم للألعاب المائية التي اختتمت مؤخرا في سنغافورة، بتحقيق ميداليتين ذهبيتين، ليسير على درب السباحين الذهبيين التونسيين.
وتوج الجوادي، صاحب الـ20 عاما، أولا بذهبية سباق 800 متر حرة، مسجلا ثالث أفضل زمن في التاريخ 7:36.88 دقائق، خلف الصيني جانغ لين صاحب الرقم القياسي 7:32.12 د ومواطنه التونسي أسامة الملولي صاحب ثاني أفضل زمن 7:35.37 د.
ولم يكتف القرش التونسي بذلك، حيث أضاف لسجله ذهبية ثانية بحسم سباق 1500 متر حرة في اليوم الختامي للمونديال، مسجلا عاشر أفضل زمن في التاريخ (14:34.41 د)، على لائحة تضم مواطنه الآخر أيوب الحفناوي ثالثا.
فكيف تمكن الجوادي من الوصول إلى عرش السباحة العالمية.. وكيف استطاع تحقيق الحلم الذي سعى وراءه لسنوات طويلة؟
وُلد الجوادي في مدينة المرسى التونسية في 30 مايو 2005، وبدأ ممارسة السباحة مبكرا بعمر 4 سنوات، حيث انضم إلى نادي المستقبل الرياضي بالمرسى المتعدد الاختصاصات الرياضية، واضعا نصب عينيه الذهاب بعيدا في مسيرته.
وكان القرش التونسي قال في مقابلة قبل نحو عامين: "بدأت السباحة في المسبح البلدي في المرسى.. تتلمذت على يدي العديد من المدربين أصحاب الفضل عليّ".
وبشأن أحلامه وقتها أضاف: "أحلم بالتأهل إلى دورة الألعاب الأولمبية.. وأحلم بخوض سباق نهائي فيها، ثم إحراز ميدالية، ولاحقا تحقيق ذهبية أولمبية ومونديالية".
لم يكن تحقيق أحد أهداف الجوادي بالظفر بالذهب المونديالي وليد صدفة، بل كان نتاج ساعات من التدريب والعمل الجاد والإصرار والعزيمة، إضافة إلى الالتزام وتنفيذ نصائح وتعليمات مدربه الفرنسي الشهير فيليب لوكا الذي يُشرف عليه من انتقاله لفرنسا لإكمال دراسته والالتحاق بفريق مارتيغ.
وعلّق البطل التونسي بعد تتويجه بسباق 1500 متر حرة: "شعرت بالكثير من الألم، والكثير من المعاناة، لكني كنت أعلم أن الجميع يعاني والجميع يشعر بالألم".
وأضف: "لم أكن الوحيد الذي يسعى للذهب، لكني حاولت فقط أن أكون الأقوى ذهنيا.. كان سباقا جيدا، لأن جميع السباحين قدموا أداء رائعا وحاولوا الفوز به.. شعرت بألم شديد في جسدي، كان الأمر مؤلما. لكن في رأسي كنت أريد هذه الميدالية، أريد الفوز بها.. الأمر بهذه البساطة".
الجوادي أهدى التتويج في سباق 800 متر حرة إلى مواطنه أيوب الحفناوي لأنه "يمر بأوقات عصيبة الآن" حسب قوله، حيث إن بطل سباقي 400 متر و1500 متر في أولمبياد طوكيو 2021، وبطل العالم في اليابان 2023، موقوف حاليا لمدة 21 شهرا.
وتم إيقاف الحفناوي في أبريل 2024 وحتى يناير 2026، بسبب إخفاقه 3 مرات في الكشف عن مكان تواجده في اختبارات الكشف عن المنشطات خارج المنافسات، وهو ما أدى لغيابه عن أولمبياد باريس 2024.
وكان الجوادي أكد في وقت سابق أن الحفناوي هو أحد ملهميه وداعميه، موضحا: "يتواصل معي قبل وبعد كل بطولة، يشجعني ويدعمني ويسدي إليّ النصائح ويفرح بما أحقق.. يقول لي إنني لست وحدي وإنه إلى جانبي".
كان من اللافت في مسيرة الجوادي أنه يراكم الإنجازات بشكل تدريجي ولا يستعجل الوصول إلى القمة قبل موعدها المثالي، حيث يصبر ويخطو الخطوات المناسبة في وقتها، أملا في تحقيق حلمه الكبير بالظفر بذهبية أولمبية.
واستهل الجوادي إنجازاته بذهبيتي 400 متر حرة و1500 متر حرة، وفضية 800 متر حرة وبرونزية 200 متر حرة، في بطولة أفريقيا 2022 التي استضافتها بلاده، ثم حقق ذهبية 1500 متر حرة وبرونزية 800 متر حرة في بطولة العالم في حوض صغير بالمجر 2024، وصولا لذهبيتي المونديال الأخير.
وبشأن معادلته لتحقيق أحلامه في السباحة تحدث بعقلانية قائلا: "الحلم الكبير هو عدم التوقف عن ممارسة اللعبة وبذل كل ما لدي قياسا لإمكاناتي.. والأهم هو عدم الندم بسبب عدم تقديم كل ما لدي. ربما تكون حدودي المنافسة في سباق نهائي في الأولمبياد، أو ربما تحقيق ميدالية أولمبية.. أُفضّل إعطاء كل ما لدي بنسبة 100% كل يوم وسنرى إلى أين يمكنني الوصول".
بعد نحو عام من تحقيق الجوادي المركز الرابع في سباق 800 متر حرة، والمركز السادس في سباق 1500 متر حرة، في أولمبياد باريس 2024، فإن التتويج بذهب مونديال 2025 سيمثل خطوة للأمام في مسيرة القرش العربي، ومؤشرا إيجابيا قبل نحو 3 أعوام من أولمبياد لوس أنجلوس 2028.
وحال نجاحه في تحقيق إنجازات إضافية قريبا، وصولا للذهب الأولمبي، فإن الجوادي سيكون حينها بمثابة الوريث الشرعي للأسطورة أسامة الملولي، صاحب ذهبية سباقي 1500 متر و10 كيلومترات في المياه الحرة بأولمبياد بكين 2008 ولندن 2012 تواليا، وذهبيتي 1500 متر بمونديال روما 2009 و5 كيلومترات في المياه الحرة بمونديال برشلونة 2013.
هذا الأمر بالتأكيد لن يكون سهلا، لكن البطل التونسي العالمي يبدو عاقدا العزم على السير على خطى الملولي ابن المرسى ومسبح المرسى الذي خرج منه الجوادي أيضا.. وهو ما عبر عنه بقوله: "هو قدوة لنا وللنادي وللجميع.. تربّى وكبر في مسبح المرسى.. شرف كبير أن يقول الناس إنني مثله".