رياضة
.
لم تعش كرة القدم الإسبانية وبطولة الليغا طوال تاريخها، ربما، 48 ساعة مثل التي مرت عليها منذ فجر الإثنين، وتحديدا منذ انفجار جناح ريال مدريد الإسباني فينسيوس جونيور على وسائل التواصل الاجتماعي ضد ما كان يتعرض له من عنصرية ومضايقات طوال مواسمه بالبطولة، والذي وصل حده خلال مباراة فريقه أمام فالنسيا الاحد الماضي.
كعاصفة أطلقها البرازيلي واستبقها بالكثير من الهدوء بصبره على تعرضه لـ9 حالات عنصرية في ملاعب خصوم فريقه في المسابقة الإسبانية، وجدت الليغا نفسها في خضم ضغوط محلية ودولية لم تشهد لها مثيلا من قبل، ضغوط لم يجد معها رئيس رابطتها خافيير تيباس وضعا أفضل من الدخول في حرب بيانات على وسائل التواصل مع فينسيوس المنفجر غضبا من ليلة ملعب المستايا المذلة.
النقطة الفاصلة والمؤرقة لليغا بل لإسبانيا أجمع، لم تكن شكوى فينسيوس كلاعب من العنصرية، فهذا حدث ظلت تشهده الكثير من ملاعب الكرة العالمية، وينتهي عادة ببيانات تضامن هنا وهناك، وإنما كانت في نقل البرازيلي قضيته إلى الأمام أكثر، إذ دمغ الليغا بكونها مكان للعنصريين، وتحدث عن الصورة الذهنية التي تختزنها الذاكرة البرازيلية عن إسبانيا "العنصرية".
Real Madrid's Vini Jr, centre, gestures, during a training session at the Etihad Stadium, Manchester, England, Tuesday, May 16, 2023 ahead of Wednesday's Champions League, semifinal, return-leg soccer match against Manchester City. (Martin Rickett/PA via AP)
وجاءت ردة الفعل الأولى من رئيس البرازيل نفسه لولا دا سيلفا، قبل أن يلحق به رئيس فيفا وكبار النجوم العالمية مثل فيردناند ومبابي ورونالدو الظاهرة وكاسيميرو وغيرهم، لتجد الليغا نفسها تحت أزمة سمعة تهدد الصورة الرائعة التي بنتها على مر السنين، قبل أن تشمر عن سواعد الجد وتنخرط في الكثير من الإصلاحات التاريخية.
تمثل أول رد فعل داخلي في إسبانيا، في خروج أكبر ثلاث مؤسسات كروية وهي الاتحاد الملكي الإسباني للكرة، ورابطة الليغا والمجلس الوطني للرياضة ببيانات متزامنة، أدانت جميعها العنصرية التي تعرض لها البرازيلي فينسيوس جونيور.
وبحسب صحف إسبانية، تعد هذه أول مرة تتوحد فيها هذه المؤسسات على قضية تتعلق بالعنصرية، وذلك منذ توقيع ميثاق مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان في يونيو 1993، والذي ألزم العالم بمكافحة العنصرية ووقف كراهية الأجانب.
وكان الشعار الموحد للبيانات الثلاثة هو المناداة بطرد العنصرية خارج كرة القدم الإسبانية.
بعد ساعات من البيانات النارية، وفي خضم الضغط المتزايد على الليغا، أصدر الاتحاد الإسباني للكرة، الثلاثاء، قرارات تاريخية، كان القرار الأكثر أهمية وإثارة للجدل في نفس الوقت هو أسقاط البطاقة الحمراء المباشرة التي تعرض لها فينسيوس جونيور.
وأرجع الاتحاد الإسباني الأسباب إلى تلقي حكم مباراة فالنسيا والريال على ملعب المستايا معلومات مضللة من غرفة الفار، كما اعتبر أن اعتداء فينيوس على وجه لاعب فالنسيا هوغو دورو كان دفاعا عن نفسه، بعد أن طوق الأخير رقبة فينسيوس بمقضبه.
ووافق على قرار الاتحاد الإسباني ممثلين عن الليغا والمجلس الرياضي الإسباني.
وبالمقابل، فهم البعض أن القرار لم يكن سوى مسألة (جبر خواطر) لفينسيوس (الثائر)، فيما انتقده مدرب برشلونة تشافي، الثلاثاء، في مؤتمر صحافي عقب خسارة فريقه 3 ـ 1 أمام بلد الوليد، وقال إنه قرار غير مسبوق، وغير مفهوم أيضاً، وحذر من خطورة أن يحول التبرير بمبدأ الدفاع عن النفس كرة القدم الإسبانية إلى حلبة مصارعة.
وبمقابل تبرئة فينسيوس، تمت إدانة فالنسيا بغرامة 45 ألف يورو، بسبب واقعة رمي كرة إلى داخل الملعب لتعطيل هجمة فينسيوس جونيور.
وتعد هذه أكبر غرامة في تاريخ إسبانيا فيما يتعلق بمثل هذه الحالات، والتي تندرج تحت المادة 103 من قانون مسابقة الليغا، والتي تبلغ عقوبتها عادة 3 آلاف يورو، بحال صدر عن الفريق (تغيير خطير يؤثر على استمرارية اللعب).
أما العقوبة الأخرى، فكانت أيضاً غير مسبوقة في الليغا، وهي بإغلاق ملعب المستايا معقل فالنسيا ومسرح حدثة العنصرية ضد فينسيوس لـ5 مباريات كاملة.
من ارتدادات ثورة جونيور أيضاً، قيام الاتحاد الإسباني ورئيسه لويس روبالييس بمراجعة شاملة لأداء الحكام هذا الموسم، ونظير ذلك قرر الاتحاد إقالة 6 حكام تقنية الفيديو المساعد (فار)، يتصدرهم حكم الفار في مواجهة ريال مدريد وفالنسيا إغليسياس فيلانوفا، والذي أُتهم بتضليل حكم المباراة دي بيرغوس، ومنحه صورة غير مكتملة للشجار، ما دفعه لطرد فينسيوس جونيور، الذي تم إلغائه فيما بعد.
أمام بقية الحكام، فكان ذلك بسبب أخطاءهم خلال الموسم الحالي.
الأمر الأكثر لفتا للانتباه في الساعات الماضية، هو الجدية والحزم الكبيرين الذي تعاملت بهما الشرطة الإسبانية تجاه مثل هذه القاضيا.
وسرعان ما ألقت الشرطة القبض على 3 مشجعين لفالنسيا متورطين في الإساءة لفينسيوس جونيور، وهي التي كانت تأخذ تحقيقاتها من قبل وقتها طويلا للغاية قبل توقيف "العنصريين: هذا إن تم أصلاً.
وأكبر دليل على تأثير "ثورة جونيور" على الشرطة، هي قيامها أيضاً، الثلاثاء، بالقبض على 4 مشجعين لأتلتيكو مدريد، قاموا بتعليق دمية سوداء تشير لجونيور تظهر وكأنه تم شنقه أمام ملعب واندا ميترو بوليتانو، وكانت هذه الواقعة حدثت قبل مباراة الفريقين 18 سبتمبر 2022.
في ظل دخول الرئيس البرازيلي وكبار النجوم في الساحرة المستديرة على خط الأزمة، بدأت وسائل الإعلام الإسباني في الاهتمام اكثر بالتوعية بهذه الظاهرة، قبل أن ينتقل الوعي إلى الجمهور حيث وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب "ريليفو" فإن هنالك الآن مطالب بإدراج موضوع مكافحة العنصرية في المناهج الدراسية الإسبانية، من أجل تعزيز التسامح، وعدم الاكتفاء بجهود وزارد الثقافة والرياضة في إسبانيا.
عموما، وبالنظر إلى جميع هذه التطورات وحدوثها في هذا الوقت الوجيز، وأيضا توقع خطوات أخرى قادمة في إسبانيا، فإن الصورة ربما تبدو واضحة للتأثير الكبير للبرازيلي فينسيوس جونيور، والذي يبدو أنه في طريقه إلى دخول التاريخ الرياضي بكونه صاحب قضية غيرت الثوابت في كرة القدم الإسبانية، بل، أيقظت أمة لها تاريخها الحضاري الراسخ من غفوة طالت، لتعيد التفكير مرتين في سمعتها ومكانتها وكذا إرثها بين الأمم، وتنهض مجدداً.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة