رياضة
.
في الوقت الذي استمتعت فيه رياضة سباقات السيارات، الأحد، بهدير المحركات وصخبها على حلبة موناكو واحتفلت بتتويج السائق الهولندي ماكس فريستابن بجائزة موناكو الكبرى للفورمولا1، بدأ المنظمون والمهتمون بالمناخ في حساب عقارب الساعة، إذ لم تتبق سوى 30 شهرا على تدشين المشروع التاريخي باعتماد جميع سيارات السباق على وقود مستدام مطلع 2026، بدلا من الوقود البترولي الحالي.
وتوجد حاليا 4 شركات بترولية عالمية تمد 20 سيارة بالوقود تابعة لعشرة فرق، تشارك هذه السيارات في سباقات الفورمولا1 البالغ عددها 22 سباقا.
وتزوّد شركة إكسون موبيل فريقي ريد بل وألفا تاوري بالوقود، بينما تتولى شركة بيتروناس مهمة تزويد كل سيارات البطولة بمحرك مرسيدس، فيما يعمل فريق ألبين مع شركة كاسترول التابعة لـ "بريتش بتروليوم"، وبدورها تمد شركة "شل" بالوقود كل السيارات التي تعمل بمحركات فيراري.
ومؤخرا، دخلت شركة أرامكو السعودية إلى خط التمويل الجزئي بالوقود، بعدما باتت الراعي الرسمي لفريق أستون مارتن والمزود الرئيسي له بالوقود لبطولتي فورمولا 2 وفورمولا 3.
وفي وقت تعمل فورمولا1 عن قرب مع الشركات المزودة بالوقود للتحول إلى العمل بوقود مستدام في 2026، تطبيقا لاستراتيجية البطولة والتزامها بالحياد الكربوني في 2030، بدأت أرامكو منذ هذا الموسم تزويد سيارات أوستن مارتن في فورمولا 2 و٣، بوقود هجين، نحو 55% منه تأتي من مصادر مستدامة، لتبقي التنافس والتحدي من أجل إنجاز المهمة من قبل جميع المزودين في العامين ونصف العام المقبلين.
أقر الاتحاد الدولي للسيارات (فيا) الذي يرأسه الإماراتي محمد بن سليم نهاية العام الماضي، قواعد جديدة لسباقات الوفورمولا1، تعتبر بمنزلة ثورة في عالم سباقات السيارات، كما تجعل أيضا من الفورمولا1 سباقة في عالم الحفاظ على البيئة.
ومن أبرز القواعد الجديدة، التي تبدأ في السريان في 2026، هو عدم إطلاق الفورمولا1 أي كربون جديد من الوقود الاحفوري نحو الغلاف الجوي، وذلك عبر التحول الكامل لاستخدام وقود حيوي مستدام.
ولتنفيذ ذلك، تم وقف الاعتماد على نظام استعادة الطاقة الحرارية في المحركات (أم جي يو أتش)، واستبداله بنظام (أم جي يو كي) الذي سيقوم بتوليد طاقة كهربائية بنحو (355 كيلو وات) بدلا عن الحالي الذي ينتج (120 كليو وات فقط).
أما القاعدة الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في 2026، فتهدف إلى زيادة قوة المحرك لتصل إلى 1000 حصان، ولكن عبر استهلاك وقود أقل بنحو 70 كغم، مقارنة مع ما كان يستهلكه ذات المحرك في 2020 بـ 100 كغم.
وأخيرا وضع سقف لسعر المحركات، مع جعل سعرها مناسبا أيضا لتشجيع المزيد من مصنعي السيارات على إيجاد المزيد من الحلول.
هو وقود سائل مشابه للوقود الحالي، لكن يتم استخراجه من مواد حيوية، مثل المحاصيل الزراعية مثل القمح والذرة، وقصب السكر وزيت النخيل، لكن هنالك مخاوف من أن تؤثر هذه الخطوة على غذاء الانسان، خصوصا بعد دخول المرحلة الثانية من انتاجه باعتمادها على الخضروات مثل البطاطس والجاتروفا وغيرها.
أما الآن فيتم التركيز على نموذج جديد مثل مخلفات الأطعمة البشرية، وأيضا الطحالب، والكحول، وطرق أخرى قيد الابتكار.
منذ إعلانها عن خطتها بالتحول إلى الوقود المستدام بادية من 2026، بدأت الفورمولا1 العمل جنبا إلى جنب مع مزودي السيارات بالوقود من أجل البحث عن حلول مواكبة.
وعن الوقود الذي تهدف الفورمولا1 إلى استخدامه، شرح المدير التقني في الفورمولا1 بات سيموندز، ذلك لوسائل الإعلام، وأكد أن الوقود الجديد مثله مثل البنزين المستخدم حاليا في الفورمولا 1 هو بالأساس مزيج هيدروكربوني.
والمفتاح الرئيسي لكي يكون الوقود المستدام هو أن تكون عناصره من مصادر مستدامة.
وأضاف سيموندز: "تعتبر الهيدروكربونات أساس هذا الوقود، وهذا ما نستخدمه لتصنيع وقود مستدام. مصدر الهيدروجين وضاح ويتم بالتحليل الكهربائي للماء، وهي طريقة مشهورة تشتمل على تطبيق الكهرباء على الماء".
وبحسب ريموندز فإن طريقة صنع الوقود المستدام ستقوم على الاستعانة بالهيدروجين الموجود في الماء، وتعويض عنصر الكربون فيه بعناصر مستدامة، من نفايات طعام وطحالب ومحاصيل وغيرها، يتم تحويلها إلى غاز سائل تحت درجة حرارة 700 درجة، قبل أن يتم فصل غاز الكربون عنها.
وتقوم الفكرة بشكل على محاكاة الطبيعة والنباتات، التي تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون التي تستخدمه في النمو، وتعوضه بغاز الأوكسجين، على أن تفعل سيارات الفورمولا1 ذات الامر، بالاستفادة من المصادر الحيوية مثل الطحالب على سبيل المثال، لتخرج السيارات أوكسجين بدلا من الكربون الملوث للبيئة.
رغم هذه الخطة الواعدة والرائدة، فإن هنالك بعض الصعوبات تتعلق بالمصادر المتاحة فعليا لإنتاج هذا الوقود.
وهنالك انتقادات كثيرة لفكرة إنتاج مثل هذا الوقود، خصوصا في ظل الضغط به على مصادر غذاء الإنسان وعلف الحيوان، وعن ذلك أكد ريموندز: "هل يمكن أن يتم صناعة الوقود من تركيبة من مصادر طعام غير حيوية ونفايات وجمع الهواء؟ في الحقيقة، أي طريقة للحصول على الوقود والهيدروجين بدون استخدام مصادر من الأرض، هي مناسبة لنا.. لكن ما يمكن اعتباره خطًا أحمر صغير بالنسبة لنا هو أننا سنقوم باستخراج هذا الوقود من قشور البطاطا وليس من البطاطا، لا نريد أن نؤثر على مصادر الطعام. وتم تطوير القوانين بشكل حذر بحيث يمكننا التوصل إلى طرق مختلفة لإنتاج هذه الأصناف من الوقود".
بعيدا عن رياضة المحركات، هنالك تحركات مماثلة في قطاع الطيران تجاه الوقود الحيوي المستدام.
وبحسب دراسة نشرتها مجلة "جي سي بي بيوإنرجي" فإنه من الممكن تقليل الانبعاثات الناتجة عن قطاع الطيران بنسبة تبلغ 68%، وذلك عن طريق التحول إلى وقود طيران مستدام "إس إيه إف" مشتق من النباتات لاسيما محاصيل البذور الزيتية غير الصالحة للأكل.
وتمثل تلك المحاصيل مجموعة متنوعة من نبات الخردل تسمى السلجم الزورقي، وقد أوضحت الدراسة أنه يمكن أن يكون ذلك الوقود أكثر فعالية من حيث التكلفة من الوقود البترولي.
وبعيدا عن الطيران حيث يعتبر من الاقتصادات الضخمة، تبدو خطوة الفورمولا1 ذكية وسباقة في هذا المجال، يتوقع إن نجحت فكرة الوقود المستدام في جذب المزيد من الأنظار إليها في الفترة المقبلة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة