رياضة

زلاتان يعتزل.. كرة القدم تودع "سلطان" الجدل وصانع عناوين الصحف

نشر

.

Mussab Gasmalla

"أقول وداعا كرة القدم وليس لكم"، كانت هذه الكلمات الأخيرة للنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، وهو يلوح مودعا جماهير ميلان، الأحد، بعد اعتزاله الساحرة المستديرة.

قالها زلاتان وهو يغالب دموعه التي بللت عشب سان سيروا محاطا بتصفيقات ودموع مماثلة من مدربه وزملائه في الميلان، قبل أن يجوب بنفس مشهد البكاء والتأثر جنبات الملعب الذي طالما ركض واحتفل وانتصر فيه، تارة مع الروسونيري وأخرى مع إنتر.

حسابات السنين والعمر تقول إن السويدي علق حذائه بعمر 41 عاما، هذا في حد ذاته، على الأرجح، رقما دالا على عظمة مسيرة النجم، إذ نادرا ما احتفظ لاعب كرة قدم في هذا العمر بمقعد في أندية النخبة.

عادة ما ينتهى المطاف بنجوم المستديرة الكبار سنا، وخصوصا، المهاجمين، إما معتزلين بعمر 37 عاما، أو محترفين في دوري بعيد عن نقاط الضوء، مع وجود بعض الاستثناءات، لكن زلاتان جاء وحطم هذه القاعدة، إذ ظل محافظا على مستواه ومتنقلا بين الأندية الكبيرة طوال 24 عاما، تمثل في مجموعها مسيرته الكروية من الاحتراف إلى الاعتزال.

"أقول وداعا كرة القدم وليس لكم". أ ف ب

بدايات صعبة.. كحول وسرقة دراجات

بنظرة متعمقة في طفولة زلاتان، قد تبدو قصة وصوله إلى هذا المستوى معجزة في حد ذاتها، إذ عانى اللاعب من طفولة قاسية قوامها العوز المالي والتفكك الأسري، وملامسة طريق الانحراف إلى السرقات.

ولد زلاتان في 3 أكتوبر 1981، بمدينة مالمو السويدية، لأب بوسني مسلم اسمه شفيق إبراهيموفيتش هاجر إلى السويد في 1977، وأم كرواتية تدعي جوركا غرافيتش، قبل أن ينفصل والده عن أمه وهو في الثانية من عمره، ليصبح زلاتان كاثوليكيا على مذهب أمه.

وعانى زلاتان صعوبات عدة مع والدته، التي كانت تضربه أحيانا بمعلقة خشبية تتكسر على رأسه، وهي تكابد لتنشئته رفقة 5 أطفال أخرين غير أشقاء.

وحدث أن أوقفت والدته مرة بسبب محاولتها سرقة طعام في إحدى المرات، في وقت بدا والده بعيدا عنهم بعد انفصاله عن والدة زلاتان.

وعند بلوغ زلاتان سن السادسة، بدا القدر سخيا معه، إذ منحه أحد المهاجرين اليوغوسلاف حذاء رياضيا وسمح له بالتدرب رفقة نادي (إف بي كي بالكان) الذي أسسه هذا المهاجر بضواحي مالمو، قبل أن ينتقل زلاتان بعد للعب في رديف فريق مالمو السويدي.

ولد زلاتان في 3 أكتوبر 1981 بمدينة مالمو السويدية. أ ف ب

وعند بلوغه سن التاسعة، باتت إحدى أخواته غير الشقيقات مدمنة مخدرات، قبل أن يتم إرسال زلاتان إلى والده للعيش معه، لكن ذلك لم ينه معاناته، إذ كان الطفل اليافع يتضور جوعا، ولا يجد في ثلاجة والده غير المشروبات الكحولية، ليهرب بعدها إلى منزل والدته ليحظى بوجبة عشاء تسد رمقه في ليالى شتاء مالمو القارس.

في ظل هذه المعاناة، أعترف زلاتان نفسه بسرقة دراجات الصبية، في الحي، وهو مؤشر يؤكد على بداية وقوعه في عالم الإجرام، لكن يبدو أن شيئا من الإرادة أنقذته.

جاءت اعترافات زلاتان في كتاب سيرته الذاتية المعنون بـ"أنا زلاتان"، الذي صاغه تحريرا ديفيد لاجركرانتز، والذي علق على نجاحات زلاتان وعلاقتها بالماضي: " كلمة معقدة تبدو الأقرب لوصف حالة زلاتان، لقد كان على الدوام هو ذلك المحارب الذي لا يتوقف عن خوض المعارك، إن الصعوبات التي واجهها في نشأته، جعلته يرى أن دائما عليه القتال وخوض المعارك بلا توقف، كونه يشعر بأنه دائما معرضا لخطر ما، هذا بالضبط ما جعل مسيرته تخطو بنسق قوامه القوة والقتال بلا توقف".

بداية الاحتراف ومسيرة طويلة

خلال لعبه لرديف فريق مالمو السويدي، وعندما كان في الـ15 من عمره، كاد زلاتان أن يهجر الكرة، ويذهب للعمل في تجارة الرصيف في العاصمة السويدية، لكن مدربه في النادي شجعه بقوة على الاستمرار، وحفزه بنجميه المحبوبين وقدوته رونالدو البرازيلي وغابرييل باتستوتا.

وأغرى زلاتان للابتعاد عن الكرة والذهاب لحياة الشوارع حصوله على حزامين أسودين في التايكوندو.

وفي سن الـ18، وتحديدا في عام 1999، انضم زلاتان إلى الفريق الأول بمالمو، قبل أن يضع قدمه الأولى في عالم الشهرة والمجد.

وبعد موسمين مع مالمو، انتقل زلاتان إلى أياكس أمستردام عام 2001، لمدة 3 سنوات، مقابل 8 ملايين دولار، وخاض تنافسا شرسا مع النجم المصري أحمد حسام ميدو، كسبه في النهاية السويدي، ليصبح أساسيا ويتوج مع الفريق الهولندي بلقب الدوري 3 مرات.

وبعد تألق مع الفريق الهولندي انتقل زلاتان إلى يوفنتوس الإيطالي، وفاز معه بلقبين للدوري المحلي، الكالتشيو، لكن لاحقا سحب الاتحاد اللقبين من النادي بسبب فضيحة التلاعب بالنتائج (الكالتشيوبولي).

وبعد الفضيحة مباشرة، انتقل زلاتان إلى إنتر ميلان، لكنه واجه انتقادات عدة، قوامها أنانيته، وعدم الولاء للفريق، رغم دفاع وكيل أعماله الراحل مينو رايو، وتأكيده بأن الرحيل مخطط له قبل الفضيحة.

ومع إنتر توج بلقب الدوري الإيطالي مرة أخرى، قبل الانتقال إلى برشلونة الإسباني، عام 2009.

وقضى زلاتنا موسما واحدا مع برشلونة، فاز خلالها بالدوري الإسباني.

جاءت اعترافات زلاتان في كتاب سيرته الذاتية المعنون بـ"أنا زلاتان". أ ف ب

وحدثت هنالك الكثير من المعارك بين زلاتان ومدرب الفريق بيب غوارديولا، بسبب تفضيل الأخير لليونيل ميسي، وتعديل خطة لعب برشلونة، من 4 ـ 3 ـ 3، إلى 4 ـ 4 ـ 2، والتي أخرجت زلاتان من الحسابات، قبل أن يعيره إلى إيه سي ميلان الإيطالي، الذي انتقل إلى بصورة نهائية في 2011.

وبعد عام واحد من التوقيع مع ميلان انتقل إلى باريس سان جيرمان، حيث سجل مع الفريق 113 هدفا، خلال 122 مباراة شارك فيها، وفاز باللقب المحلي 4 مرات.

ووقع زلاتان عام 2016، لمانشستر يونايتد، لموسمين، وفاز معه بلقب كأس رابطة الأندية، وبطولة الدوري الأوروبي.

وانتقل عام 2018، إلى لوس أنجلوس غالاكسي، الأميركي لموسمين، قبل العودة في النهاية إلى إيه سي ميلان في ديسمبر 2019، ليعتزل في صفوفه.

أرقام وإنجازات

بعد اعتزاله، الأحد، يقف زلاتان على إنجازات وأرقام مميزة، تؤكد أسطورته الحية.

وتوج زلاتان بـ34 لقبا، بينها 14 بطولة دوري محلي، وعلى صعيد الجوائز الشخصية، رُشح النجم السويدي لجائزة فرانس فوتبول للكرة الذهبية 11 مرة من دون أن يتوج بها.

ويعد دوري أبطال أوروبا (الشامبيونزليغ) هو اللقب الوحيد الذي استعصى على زلاتان، رغم مسيرته الحافلة، فيما كان أكبر إنجاز له أوروبيا، هو التتويج بالدوري الأوروبي مع مانشستر يونايتد، في 2017، والذي لعبه فيه زلاتان دورا مهما.

وعلى صعيد المباريات، خاض زلاتان 866 مباراة في مسيرته مع جميع الأندية، سجل خلالها 511 هدفا.

ويعد زلاتان، الهداف التاريخي للمنتحب السويدي، برصيد 62 هدفا دوليا، سجلهم في 122 مباراة شارك فيها، قبل أن يعتزل اللعب دوليا بعد كأس الأمم الأوروبية، عام 2016، ويعود بعدها عام 2021، ليدعم المنتخب في حملة التأهل لكأس العالم في قطر لكنه فشل، في ذلك المسعى.

خاض زلاتان 866 مباراة في مسيرته مع جميع الأندية. أ ف ب

صديق دائم للجدل وصانع "مانشيتات" الصحافة

كثيرا ما يوصف زلاتان بكونه مصابا بجنون العظمة، وذلك بسبب تضخيمه من ذاته كثيرا خلال تصريحاته للصحف وأيضا مؤتمراته الصحفية.

في كرة القدم الحديث بشكل عام، هناك أسماء محبوبة للصحافيين، وذلك بسبب تصريحاتهم التي تخرج عن المألوف، فتصنع للصحافيين مادة دسمة، بعيدا عن رتابة كرة القدم، حيث الفوز والخسارة والتعادل، والحديث عن الاستعدادات.

ولو سألت صحفيا رياضيا مختصا، عن هؤلاء (الجدليون) في كرة القدم، فسيبدأ، على الأرجح بزلاتان، ثم يذكر جوزيه مورينيو، إلى جانب أسطورة الجدل والمواقف السياسية الراحل دييغو أرماندو مارادونا.

لكن زلاتان، يعتبر نسيج وحده في صنع الجدل، والذي غالبا ما ينحصر حول شخصيته هو لا غير.

وعندما سئل سابقا عن أسباب إخفاقه مع برشلونة ورحيله إلى ميلان، قال زلاتان: "إن برشلونة اشترى فيراري.. لكن غوارديولا قادها كسيارة فيات".

وفي وقت كان فيه زلاتان مطلوبا في ارسنال، من قبل المدرب أرسين فينغر لعمل اختبارات، علق إبراهيموفيتش: ".. ولكن زلاتان لا يخضع لاختبار".

وفي 2016، وفي خضم الجدل عن اعتزاله دوليا، قاد زلاتان بلاده السويد إلى هزيمة الدنمارك في ملحق الصعود إلى يورو 2016 وسجل هدفين، وعلق على ذلك: "كانوا يتحدثون عن اعتزالي.. لكن أنا الآن، أرسلت بلدهم كاملا إلى الاعتزال".

"كأس العالم من غير زلاتان ليس لها طعم لذلك فإنه لا يستحق الانتظار". أ ف ب

وفي باريس كان المؤتمرات الصحافية لزلاتان عبارة عن أسئلة مستفزة له من الصحافيين أحيانا، من أجل صنع مواد خبرية حوله، وفي إحدى المرات تحول زلاتان إلى صحافي، وبدأ في التحقيق مع أحد الصحافيين الفرنسيين، الذي لم يجد بدا من الرد على أسئلة زلاتان إبراهيموفيتش.

وفي نهايات مسيرته مع بي إس جي، سئل زلاتان عن احتمالية استمراره مع الفريق، فرد على الصحافي: "لو تمكنوا من إزاحة برج إيفل لصالح تمثال لي، حينها، أوعدكم، بأنني سأبقى في الفريق".

وعندما غادر الفريق متوجها إلى يونايتد، كتب زلاتان تغريدة وداعية قال فيها: "جئت إلى هنا ملكا ورحلت أسطورة".

وفي 2016، وفي ظل الحديث عن تراجع شعبية الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، خرج زلاتان بتصريح، مثير، عندما قال إن حل هولاند لزيادة شعبيته موجود، وهو زلاتان نفسه: "يمكنني أن أجعل منه (هولاند) صاحب شعبية إذا أردت ذلك لكنني لست متأكدا من رغبتي في ذلك".

وبعد خسارة منتخبه من البرتغال وفشل الصعود لكأس العالم، قال السويدي: "كأس العالم من غير زلاتان ليس لها طعم لذلك فإنه لا يستحق الانتظار".

وعندما تعرض لإصابة خطرة مع يونايتد، رشحت وسائل الإعلام بغيابه طويلا عن المنافسة، عاد زلاتان ونشر صورة لتعافيه، وكتب عليها: "الأسود لا تتعافى مثل البشر".

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة