رياضة
.
لأي مرحلة يمكن لأصدقاء السوء أن يؤثروا عليك؟ ولأي حد يمكنك مراجعة نفسك ومواقفك؟ هل تعرف قصة كريم بنزيمة؟
نشأ بنزيمة، لاعب اتحاد جدة السعودي، ونجم ريال مدريد السابق، في أحد أحياء برون شديدة الفقرة في فرنسا، ويدعي تيرايون، مقاطعة شرقي ليون، وتعدادها يزيد عن 40 ألف نسمة، وتُعرف بأنها منطقة خطرة.
كان يعيش في سكن اجتماعي متواضع رفقة أسرته التي تضم والدته ووالده و3 أشقاء و4 شقيقات، والد كريم أتى إلى فرنسا من الجزائر، فيما كانت والدته، وحيدة ولدت ونشأت في ليون.
كريم بنزيمة في منطقته تيرايون. الصورة من حسابه على فيسبوك
منزل عائلة كريم كان قريبا من أول ناد لعب له النجم الفرنسي على الإطلاق، ويُدعى برون تيرايون، من هنا بدأ كل شيء، سواء أحداث سيئة أو جيدة، من هنا نصحبكم في رحلة من التناقضات والمثابرة.
فريدريك ريجوليه مدرب بنزيمة عام 1995، كان يراه متفوقا للغاية على أقرانه في كل المراحل العمرية. "نناديه كوكو، كان هذا لقبه، فقط أصدقائه المقربين وعائلته بإمكانهم أن يطلقوا عليه هذا اللقب، المنطقة التي نشأ بها كانت صعبة، لكن الكرة لم تفارقه أبدا. هادئ ويحب لعب الكرة، كان في الثامنة حينما دربته".
الفجوة بين كريم وبقية زملائه كبيرة، كان ذكيا مهاريا، لكن لم يتخيل أحد قط أن يصل إلى ما وصل إليه. كريم لم يتوقف عن ركل الكرة، حتى حينما يطلب منه مدربه الراحة ومشاهدة التليفزيون، كان يواصل العمل. يعلم أن الكرة هي ملاذه وطريقه الآمن للخروج من هذا الحي وربما من يعلم؟ قد يسير في طريقه نحو سماء تلمع بالنجوم.
ذات يوم ابتسمت السماء لكريم، واجه فريقه نظيره ليون، وأخذ الفتى الصغير على عاتقه مهمة إثبات قدراته. سجل هدفين وفاز لفريقه بالمباراة لدرجة أن ليون لم يقاوم، وقعوا معه فورا.
في الـ14 من عمره، بدا لاعبا عاديا، لم يكن خارقا أو مهاريا فذا أو لاعبا مميزا مع ليون، لكن ما ميزه عن زملائه موهبته غير العادية في إنهاء الفرص أمام المرمى. مميز في إنهاء الفرص وهو شيء لا يُمكن لمهاجم تعلمه، بإمكان اللاعب تعلم أشياء عدة كمهاجم إلا تسجيل الأهداف. فإما أن تولد مهاجما متميزا أو تبحث عن مركز آخر.
الفتى النحيل واجه عقبة الوزن، فكيف تصرف؟
خرج ليون في إجازة الصيف وفور عودتهم، وجدوا الفتى كريم وقد تغير كليا، بنيته الجسدية أصبحت أفضل مع بنية عضلية أكبر، وكأنه استبدل نفسه بشخص آخر. الشباب في الفريق استمتعوا بالإجازة، لكنه اختار العمل وبناء جسده كما لو كان آلة حتى يستعد للموسم الجديد في أفضل شكل ممكن.
ثم سار كل شيء على نحو جيد، أفضل لحظات مسيرته على الإطلاق كانت بطولة يورو 2004 للشباب تحت 17 عاما. منتخب فرنسا آنذاك تلمع فيه مواهب بعضها أصبح نجما لفترة محدودة، والبعض الآخر أصبح أسطورة لا تنسى في كتاب تاريخ كرة القدم وريال مدريد مثل كيفن كونستانت الذي لعب لميلان، وحاتم بن عرفة، وسمير نصري، وجيرمي مينيز، وفرانك سونوجو، وكريم لمرابط، وبينوا كوستيل.
المهم، أن بنزيمة تألق ولفت إليه الأنظار خاصة في مباراة افتتاح مشوار فريقه في البطولة ضد أيرلندا الشمالية.
المدافعون صُدموا مما قدمه حينها، فقرر بول لو غوين مدرب ليون منحه الفرصة للمشاركة كأساسي في يناير 2005 ضد ميتز بعد شهر واحد من إتمامه عامه الـ17.
شارك في ذلك الموسم 6 مرات، وفي الموسم التالي سجل 4 أهداف في 16 مباراة بالدوري.
موسم 2007-2008 كان الموسم الذي أعلن خلاله أبو إبراهيم، كما تلقبه الجماهير العربية، أو كوكو كما كان يلقب في فرنسا صغيرا، أو "الحكومة" كما يطلق عليه رواد تويتر، انطلاقته إلى سماء النجوم.
بنزيمة سجل 31 هدفا في 52 مباراة بكل المسابقات تحت إمرة المدرب آلين بيرين، واستمراريته كانت تعني أنه أصبح أهم لاعب في الفريق الفرنسي الكبير ليون.
لم يكن حينها يرتدي الرقم 9، الذي كان ملكا للمهاجم البرازيلي فريد، وبنزيمة كان رقم 10. في ذلك الموسم لفت إليه الأنظار خاصة في دوري أبطال أوروبا وقت تألق فريق السير أليكس فيرغسون مدرب مانشستر يونايتد، وبعد مواجهة الفريقين، كان المدرب الأسطوري يسعى لضم المهاجم الشاب صاحب الـ20 عاما حينها.
بل ذهب إليه مباشرة في نفق اللاعبين لدرجة أن مسؤولي ليون اضطروا لإبعاده عن اللاعب.
"حينما كنت صغيرا، كان رونالدو الظاهرة، له تأثير كبير علي. أفضل مهاجم على الإطلاق، شاهدت مقاطع فيديو له وحاولت فعل ما يفعل، لكن ذلك لم يكن سهلا، من المستحيل تكرار حركاته"، يشرح كريم تأثير "الظاهرة" على عالم كرة القدم آنذاك.
استمر بنزيمة مع ليون لموسم إضافي حتى رحيله إلى ريال مدريد في صيف 2009 بمبلغ 30 مليون جنيه إسترليني، وأثناء تقديمه ضمن الصفقات الجديدة مع كريستيانو رونالدو الوافد من مانشستر يونايتد وكاكا الوافد من ميلان وغيرهم، كان يبكي لدرجة أن رونالدو عرض عليه نظارته لإخفاء دموعه.
لكن لم تكن الأحلام دوما وردية، من هنا بدأت المشاكل.
بنزيمة شارك في 33 مباراة خلال موسمه الأول مع الريال، لكنه سجل 9 أهداف فقط، أقل معدل تهديفي له على الإطلاق مع الفريق، وبدأ 14 مباراة في الدوري من أصل 27 مشاركة خلال ذلك الموسم.
صاحبت بداية بنزيمة السيئة مع ريال مدريد العديد من المشاكل، أولها كان استبعاده من كأس العالم 2010 بعد مستواه السيئ في ذلك الموسم مع ريال مدريد.
في صيف ذلك العام، اتهم بنزيمة مع زميله في المنتخب فرانك ريبيري بدفع أموال من أجل ممارسة الجنس مع فتاة قاصر عام 2008، الفتاة زاهية ضاهر اتهمت الثنائي واستمرت القضية في المحكمة حتى تم إسقاط التهم بعد 4 أعوام لعدم كفاية الأدلة.
لكن هذه كانت البداية فقط.
على الجانب الآخر وفي نوفمبر 2009 كان صديق الطفولة لكريم، ويدعى كريم أيضا، لكنه كريم زيناتي ولقبه "كارلوشي" قُبض عليه بسبب الإفراط في السرعة مع إطار مثقوب، أثناء التحقيقات وجد معه أكثر من 200 كيلوغرام من الممنوعات. حُبس زيناتي وزاره بنزيمة في السجن وفيما بعد منحه وظيفة في شركته التي تحمي حقوق صورته.
تذكروا اسم زيناتي لأنه مهم للغاية في تطور الأحداث المقبل.
زيناتي كان جنبا إلى جنب مع بنزيمة حينما زار مدرسته القديمة في ليون عام 2015، نفس العام الذي شهد أكبر أزمة تورط فيها نجم ريال مدريد على الإطلاق.
في نوفمبر 2015، خضع بنزيمة لتحقيق قضائي يتعلق بابتزاز زميله في منتخب فرنسا ماتيو فالبوينا لاعب وسط ليون حينها بشريط جنسي. بنزيمة اعترف بذنبه بعد تورطه مع مَن وصفه بـ"صديقه من الطفولة".
سُربت المكالمات من قبل الشرطة، وأوقف عن تمثيل منتخب فرنسا، وكان الوضع كارثيا.
بنزيمة ابن مقاطعة خطيرة، ولم يغير أصدقاء الطفولة ولا ضرر في ذلك، لكن المشكلة كانت في أنه تطور وارتقى بعمله، وهم لم يفعلوا ذلك.
بنزيمة تألق وفي نفس الموسم كان جزء هاما من إنجاز ريال مدريد في الفوز بدوري أبطال أوروبا وسجل 24 هدفا في 27 مباراة بالدوري، حينها كان بداية انطلاقته الحقيقية، كان أول موسم جيد له في الدوري على الإطلاق.
استمر تألق النجم الفرنسي حينها خاصة حينما رحل كريستيانو إلى يوفنتوس في 2018، هنا أصبح بنزيمة قائدا للريال مدريد داخل الملعب وخارجه، وسجل نسبة 45% من أهدافه مع ريال مدريد عبر تاريخه في 5 أعوام فقط، وإن كان استمر لعام إضافي لسجل أكثر مما سجل في 9 أعوام امتلأ بعضها بالمشاكل.
جزء من إرث كريستيانو، منافسه القادم في الدوري السعودي، يعود لكريم إذ صنع 47 هدفا للنجم البرتغالي من أصل 450 هدفا سجلها، كما أنه ثاني الهدافين التاريخيين للنادي بعد رونالدو نفسه برصيد 354 هدفا.
بنزيمة دفع ثمن مشاكله، بأن قضى 6 أعوام تقريبا بعيدا عن منتخب فرنسا خارج بطولات كبرى، أبرزها لحظة الفوز بكأس العالم 2018.
حكمت المحكمة على "الحكومة" في قضية ابتزاز زميله بشريط جنسي وحصل على حكم بالحبس لمدة عام مع إيقاف التنفيذ وغرامة 75 ألف يورو، والحبس لصديقه زيناتي لمدة 15 شهرا.
الآن بنزيمة يخرج من الباب الكبير لريال مدريد، مهاجما أسطوريا، أحد من حصلوا على ما يُطلق عليه في ريال مدريد "حق تقرير المستقبل" وهي تُمنح لصفوة أساطير النادي باختيار مستقبلهم دون أي غضب، مودعا الجماهير في مؤتمر صحفي كبير، وهو ما لم يفعله النادي مع رونالدو.
الكثير من التناقضات والعديد من المشاكل مع المثابرة والكفاح وما يعرف في هوليوود بتطور الشخصية أو Character development وهو ذاته ما حدث مع النجم الفرنسي في قصته المليئة بالأحداث.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة