رياضة
.
بعد نحو عقد كامل من إدمان الويلزي مارك وليامز المراهنات، وفي وقت كانت تحاصره الديون المتراكمة كأرباح على بطاقة الائتمان، هرع إلى جهاز آيباد كان بالقرب منه، ورمى بثقله مراهنا بـ10 آلاف إسترليني، لكن رسالة بنكية قضت على آماله، مفادها خلو حسابه البنك من رصيد يغطي هذه العملية.
مستقبل وليامز الكروي كان واعدا، إذ لعب في فريق ريكسهام الويلزي، رفقة الموهبتين هال روبنسون كانو، وجويل ألين، واللذين شقا طريقهما فيما بعد إلى الظهور في الدوري الإنكليزي الممتاز، كما مثّلا منتخب ويلز تحت 21 سنة.
لم يشعر وليامز بنفسه، إلا بعد تحطيم الآيباد وكل شيء مرتب داخل الغرفة صادفه تقريبا، لكن لحظة الاستفاقة، جاءت في نظرات طفلته ذات الـ18 شهرا، والمذعورة من سلوكه، فما كان إلا أن احتضنها بقوة وردد بصوت عال عبارات حملت فيما معناه عزمه على طلب مساعدة، والإقلاع بشكل كليّ عن المراهنات.
بعد أعوام وفي نوفمبر 2018، وجد وليامز نفسه وقد أنجز وعده بالفعل، عندما ابتعد تماما عن المراهنة، وأنقذ ابنته من مصير لا يمكن التنبؤ به، لكنه في المقابل فقد شغفه بكرة القدم، والتي ارتبطت في ذاكرته بممارسة المراهنات المدمرة، حسب ما يحكي لـ بي بي سي، ليصبح واحدا من أبرز الناشطين في مجال التوعية بخطورة المراهنات التي تجتاح عالم الكرة على مستوى العالم الآن.
"كنت في البدايات أول من يأتي إلى تدريبات الفريق وآخر من يغادر، لكن فيما بعد عندما أدمنت المراهنات، أصبحت آخر من يحضر وأول من ينصرف. اعتقد المدرب أنها مشكلة سلوك، لكنه لم يدر أن الأمر أكبر من ذلك بكثير"، هكذا فتح وليامز قلبه لبي بي سي.
" كنت أعيش حياة ذات وجهين، أصحو مبكرا وأضع قناعَ ذلك الرياضي النشيط، وابتسم مع نفسي، لكن الأمر لم يكن كذلك، لقد كنت، فعليا، اتهرب من النظر في عيون زملائي خوفا من اكتشافهم حقيقتي، أذكر أنني كنت مشاركا مع فريقي في مباراة بكأس الاتحاد الإنكليزي، وكان والدي ووالدتي حضورا، لكنني لم أكن أفكر في هذه اللحظة اتي تمثل للكثيرين لحظة فخر.. أما أنا فكل تفكيري كان منصبا في ذلك المبلغ الكبير الذي وضعته في الرهان على مباراة كريكيت، وكنت أحسب الثواني للركض ومعرفة نتيجتها".
بعيدا عن قصة وليامز وقريبا منها، صدم الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم عشاق برينتفورد المشارك في البريمييرليغ منتصف مايو الماضي، بإيقاف مهاجم الفريق إيفان توني لمدة 8 أشهر، مع غرامة (62 ألف دولار)، وذلك على خلفية إدانته بـ 262 مخالفة لقواعد المراهنات، على مدى أربع سنوات، وهي تهم اعترف بها توني.
وتم تشخيص توني كمدمن مراهنات، وهو ما جعل الاتحاد الإنكليزي يخفف من عقوبته، التي يفترض أن تكون لمدة 15 شهرا.
إدمان إيفان توني للمراهنات قد يقضي على مستقبله كأحد أبرز المهاجمين في الدوري الإنكليزي الممتاز. أ ف ب
ويقدم توني مستويات مذهلة مع برينتفورد، وسجل له هذا الموسم 35 مباراة بجميع المسابقات، 20 هدفا منها في الدوري الإنكليزي الذي احتل فيه المركز الثالث في قائمة الهدافين.
قد يبدو التعاطف صعبا مع توني ووليامز نظير توجهها ليس فقط لممارسة الرهان، وإنما لإدمانه، لكن بالمقابل، ربما يبدو كلاهما نماذج مكتشَفَة فقط، في وقت لا يزال هناك رياضيون يعانون في صمت جراء هذا المرض القاتل.
في مطلع هذا العام، كشفت دراسة علمية نشرت في مجلة نيتشر أن نسبة سقوط الرياضيين من الطراز الأول في فخ المراهنات، تبلغ ضعف مستوى ممارسة الأشخاص العاديين لهذه الظاهرة.
وأجريت الدراسة في جانبها الذي يخص الرياضيين، على 608 لاعبا من نجوم النخبة في الدوري الأيرلندي لكرة القدم ويبلغ متوسط أعمارهم 24 عاما.
سبق هذه الدراسة، بحث علمي نشر في مجلة أمراض الإدمان عام 2016، كشف ارتفاعا ملحوظا لعدد الرياضيين، خصوصا نجوم كرة القدم المدمنين على المراهنات. قبل هذا البحث، أجرت رابطة اللاعبين المحترفين في بريطانيا استطلاعا، كانت أبرز نتائجه أن مشكلة المراهنات لدى لاعبي كرة القدم والكريكيت تبلغ نحو 3 مرات أكثر من مشاكل الأشخاص العاديين مع المراهنات. وأجرى الاستطلاع عن طريق استبيانات سرية، شملت 170 لاعب كرة قدم و176 لاعب كريكت.
صينيون أمام مكتب مراهنات في شنغهاي يتابعون مباراة في مونديال ٢٠١٨. أ ف ب
من بين أسباب ارتفاع نسبة المراهنات بين لاعبي الدوري الأيرلندي، برز دافع عدم حصول اللاعبين في هذه المنافسة المغمورة على رواتب كبيرة، بل وجود بعض اللاعبين من الهواة. على العكس من ذلك، تبرز مشكلة الرواتب المرتفعة لدى اللاعبين الإنكليز، إلى جانب معاناتهم خارج الملعب من فراغ كبير، وأيضا فضولهم لاستكشاف هذا المجال.
تعيش كرة القدم الإنكليزية الآن عصرها الذهبي، إذ كشف استطلاع أجراه مركز global sports salaries في 2019 عن بلوغ متوسط معدل الرواتب الأسبوعية في كرة القدم الإنكليزية بدرجاتها المصنفة 74 ألف دولار، وهو مبلغ جيد جدا، خصوصا لدوريات الفئات الأقل.
مكتب مراهنات في العاصمة الأوغندية كامبالا التي تشهد نموا كبيرا في هذا السوق. أ ف ب
أما العامل الأهم فهو رغبة اللاعبين الدائمة في الفوز، وأيضا اقترابهم من تفاصيل صنع هذه الانتصارات بالمشاركة فيها، إلى جانب انتشار ثقافة المراهنات داخل جميع الفرق ومجتمع الكرة بشكل عام، إذ تصل أحيانا المراهنات بين لاعبين على "تقسيمة" داخل المران التدريبي.
أحد الأمور الملفتة للنظر هو أن اللاعبين أنفسهم هم أول المعرضين لإغراء شركات المراهنات، إذ يطالعونها على واجهات قمصانهم داخل غرف الملابس بداية، قبل ارتداء تلك القمصان ودخول الملعب بها للترويج لباقي الضحايا.
وترعى شركات المراهنات قمصان 8 أندية في الدوري الإنكليزي الممتاز، أبرزها برينتفورد نفسه الفريق الذي يلعب له إيفان توني، والذي ترعاه شركة هووليود بت الجنوب أفريقية، إلى جانب إيفرتون وولفرهامبتون وكذلك ليدز وساوثهامبتون الهابطين إلى دوري الدرجة الأولى.
إعلانات المراهنات تحاصر اللاعبين حتى الرعاة أنفسهم. أ ف ب
ترعى شركة "سكاي بت" للمراهنات البريمييرليغ نفسه، وهو أمر يوضح شكل تغلغل هذه الشركات في الكرة الإنكليزية.
" إنها في كل مكان. في الراديو وعلى القمصان وشاشات الملاعب والتلفزيون الناقل"، يشكو جيمس غرايمس مؤسس حملة "خطوات كبيرة" في حديثه مع بي بي سي تمدد شركات المراهنات، إذ ظلت حملته تطالب منذ 2019 بإزالة مظاهر الترويج للمراهنات من كرة القدم الإنكليزية.
تحت ضغوط غرايمس وآخرون، استجابت رابطة الدوري الإنكليزي الممتاز مؤخرا، وأخذت خطوة نحو لجم الظاهرة، فقررت حظر جميع الإعلانات المروجة لشركات المراهنات على واجهة قمصان فرق البريميرليغ، وذلك بداية من العام 2026.
يرى غرايمس أن للقرار أمرين سلبيين، أولهما زمنه إذ تستمر الشركات في الترويج للمراهنات حتى العام 2026، والآخر هو عدم حظرها كليا، إذ سمحت الرابطة للأندية بالاستفادة من أموال شركات المراهنات الراعية، بالترويج لها على أكتاف القمصان وليس على الصدر.
رغم الجدل هذا، لا يزال هناك أمل في الدوري الإنكليزي الممتاز، بأن يحقق قرار التضييق على شركات المراهنات ما حققه القرار السابق للبطولة تجاه رعاة التبغ. في 2003 كان البريمييرليغ جزءا من حملة وطنية في بريطانيا لمقاطعة الترويج لمنتجات التبغ، وبعد مرور 3 أعوام على الحملة كشفت دراسة علمية نشرتها المكتبة الوطنية للطب تراجعا واضحا في عدد المدخنين، إلى جانب زيادة وعيهم بمخاطره.
قبل حادثة إيفان توني، يأتي إيقاف الدولي الإنكليزي كيران تريبير في يناير 2021 لـمدة 10 أسابيع، بسبب خرقه قواعد المراهنات في 2019، وكان تراهن وقتها على انتقاله، هو نفسه، إلى نادي أتلتيكو مدريد الإسباني. قبل ذلك بعام وفي حادثة مشابهة، تعرض دانيال ستوريدج في يناير 2020 للإيقاف 6 أشهر بسبب خرقه 11 قاعدة للمراهنات.
هناك أسماء مثل بول سكولز، وزلاتان إبراهيموفيتش، وغرانيت تشاكا، طالما ارتبطت أسمائهم بفضائح مراهنات، قد تكبر أو تصغر.
لكن كل هذه الحالات، تبدو أقل صخبا من آخرين، أدمنوا بشكل أو بآخر المراهنات، والتي أصبحت نمط عيش لهم، قبل أن تدمرهم.
في 2021 أنتج أشهر مدمني المراهنات ونجم أرسنال السابق بول ميرسون برنامجا وثائقيا رفقة زملائه "المدمنين المتعافين"، وهم لاعب نيوكاسل وإيرلندا الشمالية السابق كيث جيليسبي، ولاعب أرسنال وويلز السابق جون هارتسون ولاعب ريدينغ السابق سكوت ديفيز.
واين روني، أحد أشهر النجوم من ضحايا المراهنات. أ ف ب
وفي لحظة اعترافاتهم، احتسب الرباعي المبالغ التي خسروها، ليجدوا أنها وصلت إلى 16 مليون دولار، آنذاك، مع مراعاة حجم الرواتب ودخل اللاعبين في زمن احترافهم كرة القدم في التسعينات، ما يعني أضعاف هذا المبلغ بأسعار اليوم.
ويعد أسطورة مانشستر يونايتد واين روني أحد المدمنين على المراهنات، إذ اعتاد على المراهنات منذ صغره، ووصلت خسائره على المراهنات إلى أكثر من 600 ألف دولار.
لخطورة المراهنة، وأيضا لانتشارها في كرة القدم، وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم، فيفا، ضوابط صارمة حيالها، إذ تلزم مدونته جميع الأشخاص المنضوين تحته بالتالي:
تثبت المشاركة غير المباشرة بـ:
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة