رياضة
.
حتى وقت قريب كان الدوري الإنكليزي الممتاز (البريمييرليغ) يفاخر بفرادته وتميزه عن بقية الدوريات الأخرى في القارة العجوز، بكونه بطولة ذات طابع تنافسي شرس يصعب معه التكهن بالبطل، وربما كان هذا الأمر أحد أسباب إقناع رابطة البريمييرليغ لأصحاب البث لشراء حقوقها بمليارات الدولارات في 2015.
لكن ما لم يحسب الإنكليز حسابه هو قدوم الفيلسوف الإسباني بيب غوارديولا لتدريب مانشستر سيتي في يوليو 2016، والآن بعد مرور سبعة مواسم على توليه المهمة في السماوي، حوّل بيب البريمييرليغ إلى مستعمرة زرقاء كاملة الدسم، إذ توج مؤخرا باللقب الثالث تواليا، والخامس في آخر ست نسخ.
حوّل بيب البريمييرليغ إلى مستعمرة زرقاء كاملة الدسم
هذا الأمر، وإن كان في وجهه المباشر يحسب للمدرب الإسباني ونبوغه التكتيكي الذي لا يتوقف فيه عن الابتكارات، لكنه في المقابل، ضم البريمييرليغ إلى البطولات الخاضعة للهيمنة من فريق واحد، وهي ظاهرة لا تبدو صحية في عالم كرة القدم، الباحث دوما عن الإثارة والتشويق.
في ألمانيا، كانت الآمال كبيرة على بروسيا دورتموند هذا الموسم، لاستغلال (كبوات) بايرن ميونيخ الفنية والإدارية وإنهاء هيمنته على البوندسليغا، والفوز بأول ألقابه منذ 2012، لكنه تعادل في المباراة الأخيرة أمام ماينز، ليتوج بايرن بلقبه العاشر تواليا.
وفي إيطاليا، نجح نابولي في تثبيت حقيقة عودة التنافسية، للكالشيو بعدما فاز بلقبه الأول منذ 33 عاما، لينضم إلى إنتر وجاره ميلان، ويوقفوا هيمنة يوفنتوس، الذي فاز بـ8 ألقاب متتالية، منذ 2012 وحتى 2020.
8 أندية في الدوريات الست الكبرى توجت بما نسبته 75% من ألقاب
وفي فرنسا، لم يتغير شيء، إذ توج باريس سان جيرمان بلقبه التاسع في آخر 11 عاما، وفي البرتغال، ظلت لعبة "القط والفار" حاضرة بين بورتوا وبنفيكا، إذ خلال الـ13 نسخة الماضية توج كل منها بـ6 ألقاب، فيما افلتا لقب وحيد لسبورتنيغ لشبونة في 2021، هو الأمر ذاته بالنسبة للدوري الإسباني (الليغا)، المهيمن عليه من فريقي ريال مدريد وبرشلونة، واللذان لم يسمحا طوال الأعوام الـ12 الماضية، سوى لأتلتيكو مدريد ليفوز بلقبين (2014 و2021).
8 أندية في الدوريات الست الكبرى توجت بما نسبته 75% من ألقاب هذه البطولات في الفترة من 2011 ـ 2023، فيما تناوبت على اللقب في الدوريات الخمس الكبرى (البريمييرليغ، الليغا، البوندسليغا، الكالشيو والليغ1) 18 ناديا فقط في الفترة نفسها.
وبمقارنة هذا الرقم مع حقبة سابقة بنفس المدة الزمنية 1998 ـ 2010 نجد عدد المتناوبين على الألقاب بلغ عدد 24 ناديا، وهو بدوره تقلص عن حقبة سابقة 1985 ـ 1997 حيث كان بلغ عدد المتناوبين وقتها 26 ناديا.
هناك أسباب عدة لظاهرة الهيمنة الحالية أبرزها مطاردة الأندية لأبرز المواهب وتكديسها
في نفس الحقب الزمنية، ظهرت الهيمنة تدريجيا في النقاط، إذ بلغ معدل النقاط في الدوريات الخمس الكبرى، 75.4 نقطة بين 198 ـ 1997، ثم 78.7 نقطة بين 1998 ـ 2010، إلى 88 نقطة بين 2011 ـ 2023.
وتمت مراعاة النظام السابق للنقاط في كرة القدم، إذ كان الفائز قبل 1995 يمنح نقطتين عن الفوز، ونقطة عن التعادل، وذلك بمنح جميع الانتصارات طوال هذه الحقب بـ 3 نقاط، إلى جانب الوضع في الاعتبار أيضا توقف الدوري الفرنسي في الجولة 27 في فترة كوفيدـ19.
هناك أسباب عدة لظاهرة الهيمنة الحالية، أبرزها مطاردة الأندية لأبرز المواهب وتكديسها مغرية إياها بالأموال التي تحققها من هذه النجاحات.
وعلى سبيل المثال، بلغت أرباح مانشستر سيتي من البث التلفزيوني عن فوزه بلقب البريمييرليغ الموسم الماضي 146 مليون دولار، فيما بلغت أرباح مجتمعة 773 مليون دولار، وهذا مبلغ كبير، يمكن النادي من جلب أفضل المواهب الكروية.
ويعتبر وصول الأندية المهيمنة إلى دوري الأبطال والتتويج به أحيانا، سببا في انتعاشها ماليا، وبحسب أسوشيتيد برس، بلغت أرباح ريال مدريد من تتويجه بلقب دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي ١٤٦ مليون دولار.
هنالك سبب أخر متصل بهذه الأسباب، وهو الاتهامات التي لا يكاد الإعلام يمل توجيهها لفرق مثل بايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان وأحيانا يوفنتوس، بإضعاف خصومهم في البطولات من أجل استدامة الهيمنة عليها.
ويتصدر بايرن ميونيخ هذه الاتهامات، وخصوصا منذ شرائه روبرت ليفاندوفسكي المتوهج مع خصمه بروسيا دورتموند وتأثير الأخير على أسود وستفاليا، كما كرر البايرن الامر ذاته، مع لايبزيج الذي قدم نفسه منافسا له، قبل أن يقوم بشراء مدافعه الفرنسي دايوت أوباميكانو.
بالنسبة لباريس سان جيرمان، وجد نفسه في هذا المنعرج، لضم كيليان مبابي من موناكو، بعدما قاد الأخير فريق الإمارة إلى الفوز بلقب الدور الفرنسي في 2017.
وفي سياق البحث عن حلول لهذا الظاهرة المؤرقة، تحرك الدوري الإنكليزي فعليا في الأيام القليلة الماضية، ليطرح مشروع لسقف رواتب في البطولة، حتى يحد من هجرة المواهب إلى الكبار، لكن المشروع لا يجد حماسا من الأندية الكبيرة.
في سياق البحث عن الحلول، ربما ينبغي التوقف ومناقشة ظاهرة الانفجار الربحي من دوري الأبطال، خصوصا في ظل الحديث الدائر الآن عن ضرورة تحويل مبارياته إلى يومي السبت والأحد، وترك الدوريات تلعب في منتصف الأسبوع، وهو أمر إن حدث سيضاعف مشاهداته، ويهمش الدوريات المحلية، ما يعود بالفوائد على الأندية الكبيرة، ويكرس بالتالي من هيمنتها.
يوزع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) نحو 2.2 مليار دولار على الأندية المشاركة في بطولته سنويا.
ويحصل الفريق الفائز في المباراة النهائية لدوري الأبطال على 21.56 مليون دولار، بينما يحصل الوصيف 16.71 مليون دولار. ومع هذا، فإن الجوائز المالية الإجمالية المخصصة للفريق الذي يفوز بدوري أبطال أوروبا ستكون أعلى بكثير من ذلك.
بمجرد وصول أي فريق إلى دور المجموعات يحصل على 16.8 مليون دولار، وأي فوز له في دور المجموعات يعني حصوله على ٣ ملايين دولار بينما التعادل له مليون دولار.
ويحصل المتأهل إلى ثمن النهائي على ١٠ ملايين دولار، وربع النهائي على 10.9 مليون دولار، ونصف النهائي 13 مليون دولار، لتبلغ قيمة ما يجنيه الفائز عن كل مشواره نحو 86 مليون دولار يمكن أن تزيد لاعتبارات الفوز ومكانته في البث التلفزيوني.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة