قبل موقعة الماراكانا.. تاريخ من "العنف اللاتيني"

قبل انطلاق المباراة وخلال عزف النشيد الوطني البرازيلي دخلت الجماهير الأرجنتينية والبرازيلية المتواجدة في ملعب ماراكانا الشهير في مناوشات ثنائية، قبل أن تهاجم الشرطة التي حاولت تهدئة الموقف.

وسرعان ما تطورت الأحداث، لتهاجم الشرطة بعنف، الجماهير الأرجنتينية بالهراوات.

وقامت بعض الجماهير بعمليات تخريب بتحطيم مقاعد الملعب وقذفها صوب الطرف الآخر، فيما نقلت الكاميرات واحدا من الجماهير على الأقل بوجه ملطخ كليا بالدماء.

وبدوره، حاول حارس الأرجنتين وأستون فيلا إيمليانو مارتينيز، الدفاع عن جماهير بلاده بالهجوم على الشرطة البرازيلية عبر السياج.

وسعى عدد من نجوم المنتخب البرازيلي مثل ماركينيوس تهدئة الأوضاع، وكذلك فعل ليونيل ميسي، لكن سرعان ما انسحب المنتخب الأرجنتيني إلى غرف الملابس، لتتأجل انطلاقة المباراة لمدة نصف ساعة، قبل العودة، لتنتهي بفوز الأرجنتين بهدف أحرزه نيكولاس أوتامندي في الدقيقة 63 من رأسية.

ما هي ردود أفعال اللاعبين على ما حدث؟

بعد المباراة، استضافت القنوات قائد الأرجنتين ليونيل ميسي، وقال عن الأحداث: "رأينا جميعا كيف كانت الشرطة تضرب الجماهير. وهو منظر مشابه لما حدث بالفعل في نهائي كأس ليبرتادوريس، حيث ضربت الشرطة كذلك الناس بالعصي، إنه يركزون على ذلك أكثر من أي شيء آخر".

وأضاف: "توجهنا لغرفة الملابس لأنها كانت أفضل طريقة لتهدئة كل شيء، وكان من الممكن أن ينتهي الأمر بمأساة".

ومن جهته، كتب مدافع الأرجنتين ليساندرو مارتينيز على حسابه على إنستغرام: "إنه لمن العار رؤية الشرطة البرازيلية تفعل ذلك، كيف كان الأمر ممكنا؟ إلى متى سنظل نشاهد مثل هذه المناظر".

وخلال المباراة، نقلت الكاميرات مشادة بين ليونيل ميسي ولاعب البرازيل والريال رودريغو، إذ قال الأخير لميسي، بعد عودتهم من غرف الملابس: "كم أنتم جبناء".

وبدوره عاد له ميسي ليوبخه على ذلك، وقال له: "انتبه لما تقوله، نحن أبطال العالم، كيف نكون جبناء".

وبدوره، انتقد مدافع البرازيل ماركينيوس ما حدث، وقال بعد المباراة: " شعرنا بقلق بالغ على الناس والعائلات داخل الملعب، عندما كنا نراهم مذعورين، لقد كان أمرا صعبا علينا حقا".

بحسب ديلي ميل البريطانية، فإن السبب الحقيقي لبداية الشجار والعنف بين جماهير الفريقين لم يتم التعرف عليه حتى الآن.

حتى قبل دخول نجوم المنتخبين إلى الملعب كانت الأجواء الجماهيرية هادئة، إذ بيعت جميع التذاكر المعروضة للبيع، والبالغة 69 ألف تذكرة.

ومع دخول اللاعبين للملعب، قامت الجماهير البرازيلية بالتصفيق وتحية ميسي المتوج بالمونديال والكرة الذهبية، لكنها بعد المباراة أطلقت صافرات استهجان ضده.

وحتى الآن، فإن الرواية الأكثر تداولا، هي إطلاق جماهير الأرجنتين صافرات استهجان خلال عزف النشيد الوطني البرازيلي، قبل أن ترد عليها الجماهير البرازيلية، وتتدخل الشرطة لتطلق الغاز المسيل للدموع وتضربهم بالعصي.

بشكل عام لا تعد هذه الأحداث مستغربة، نظرا للتنافسية، بل والعداوة التاريخية بين البرازيل والأرجنتين.

وتعود أصول هذه العداوة إلى عقود طويلة، إذ كانت الجذور الأولى لها في السياسة حيث التنافس بين البرتغال وإسبانيا المستعمرين للبلدين.

ولاحقا وجدت هذه العداوة كرة القدم أرضا خصبة، لتنفذ عبرها، وفيما بعد سميت مباراة المنتخبين في كرة القدم "معركة الأميركيين الجنوبيين".

وفي الفترة من 1925 وحتى 1937، توقف التباري بين المنتخبين، بسبب أحداث عنفة خطيرة وقعت خلال إحدى المباريات.

وتكرر العنف مرة أخرى في 1946، لتتوقف المباريات بينهما لمدة 10 أعوام، قبل أن تعود مجددا.

ومنذ أول مباراة بينهما في 1941، جرت بين المنتخبين 110 مباراة، فازت البرازيل في 43 مباراة، مقابل 41 فوزا للأرجنتين، فيما خيم التعادل على 26 مباراة منها، وسجلت البرازيل 166 هدفا، والأرجنتين 163، وهو أمر يعكس شكل التنافس المثير.

خلال انتقاده للشرطة البرازيلية، أشار ميسي إلى تصرفها تجاه جماهير بوكا جونيورز مطلع هذا الشهر، قبل نهائي كوبا ليبرتادوريس.

وكانت جماهير بوكا جونيورز الأرجنتيني قد احتلت شاطئ كوباكابانا الشهير في ريو دي جانيرو مطلع هذا الشهر، قبل يوم من مباراة فريقها أمام فلومينينسي البرازيلي، قبل أن تقوم الشرطة البرازيلية بتفريق المتجمهرين بالقوة.

وكادت الواقعة أن تتسبب في إجراء نهائي كوبا ليبرتادوريس الذي توج به الفريق البرازيلي، بدون جماهير، قبل أن يتم احتواء الموقف.

بمجرد الحديث عن العنف والشغب الجماهيري في أميركا اللاتينية، يتبادر إلى الذهن الشغب الكبير الذي ضرب نهائي كوبا ليبرتادوريس والذي اصطلح عليه بـ"كلاسيكو القرن" بين بوكا جونيورز وخصمه التقليدي ريفر بليت، في 2018.

وقامت جماهير ريفر بليت برشق حافلة لاعبي البوكا بالحجارة، قبل وصولهم إلى ملعب المونيمونتال، لتتسبب في إصابات بالغة لبعضهم.

وبعدها، تم تأجيل المباراة ونقلها لتلعب في ملعب سانتياغو برنابيو بمدريد، في سابقة تاريخية.

وفي العام الماضي، كانت مباراة بين فريقي كويريتارو وأطلس المكسيكيين قريبة من التحول إلى كارثة، بسبب اشتباكات عنيفة وقعت بين جماهير الفريقين.

ونقلت الجماهير معركتها من المدرجات إلى وسط الملعب، لتنتهي بـ26 إصابة، فيما تم توقيف 22 شخصا على خلفية ذلك، فيما نجت الأسر والأطفال بأعجوبة.

وبعد يوم واحد فقط من حادثة العنف في المكسيك، نشب شجار في البرازيل بين مشجعي أتليتكو مينيرو وكروزيرو، مما خلف قتيلا واحدا على الأقل ومصابا بعيار ناري.

وجاءت أعمال الشغب هذه قبل مباراة الديربي التي لعبها الناديان الرئيسيان في مدينة بيلو هوريزونتي التابعة لولاية ميناس جيرايس جنوب شرقي البرازيل.

وتبعت ذلك، أحداث شغب جماهيري متعددة في البرازيل والأرجنتين وأوروغواي، لتبدو معها أميركا الجنوبية على فوهة بركان يمكن أن ينفجر ليحدث كارثة في عالم المستديرة، تُجهز على الإرث والشغف الكروي الكبير في القارة اللاتينية، الذي خطه عظماء مثل بيليه ومارادونا.