معجزة ليفركوزن.. الرجل الطموح الذي قاد مدينته إلى الجنون

120 عاما مضت على إنشاء نادي بايرليفركوزن في ألمانيا، وخلال كل تلك السنوات لم ينجح أبدا في التتويج بلقب الدوري الممتاز، بل أن الوصول إليه كان مستحيلا لفترة طويلة.

عانى ليفركوزن طوال تاريخه من أجل التأهل إلى دوري الدرجة الأولى في ألمانيا "بوندزليغا"، حتى نجح عام 1979 وظهر بين الكبار وصفوة الأندية الألمانية.

وحافظ ليفركوزن على مكانته بين الكبار، ونجح بعد 7 سنوات في التأهل إلى بطولة أوروبية للمرة الأولى في تاريخه، لتتكرر بعد ذلك محاولاته الأوروبية التي قدم خلالها نتائج إيجابية، لكنها لاترتقي إلى البطولة.

الفوز ببطولة الدوري كان حلما مستحيلا لا يفكر به عشاق جماهير ليفركوزن، لكن كأس ألمانيا كان حلما مشروعا، ونجح الفريق في الوصول إلى النهائي 4 مرات، لينجح في التتويج باللقب في أول محاولة عام 1993، لكن في المحاولات الثلاث التالية خسرها بالكامل.

وفي منتصف التسعينات قدم ليفركوزن نفسه كأحد كبار ألمانيا، فبعد تتويجه بالكأس بدأ يحلم بلقب الدوري، لينجح في احتلال الوصافة في موسم 1996-1997 للمرة الأولى في تاريخه، وهو المركز الذي حققه 4 مرات أخرى، كان آخرها موسم 2010-2011.

إدارة ليفركوزن بقيادة الرئيس التنفيذي مايكل شاده، قاموا بتغيير سياسة النادي في السنوات الأخيرة، وقرروا الاعتماد على التقاط المواهب الشابة في أوروبا، لصناعة فريق بطل دون الحاجة لشراء نجوم بأثمان باهظة، أو بأسماء رنانة.

وبالفعل جمع النادي الألماني عدة عناصر متميزة نجحت في إثبات جدارتها، وجلب لهم المدرب الإسباني تشابي ألونسو، الذي كان يبحث عن ذاته ويسعى لإثبات أحقيته في الحصول على مكانة بين المدربين الكبار في أوروبا، لتتحقق المعادلة الصعبة، وينتج عن كل ذلك فريق بطل للمرة الأولى.

ليفركوزن لم يفز بلقب الدوري الألماني فحسب، فقد سيطر الفريق على المسابقة ووسع الفارق مع بايرن ميونيخ عملاق المسابقة إلى 16 نقطة قبل 5 جولات من النهاية.

وحقق فريق تشابي ألونسو رقما قياسيا استثنائيا، وأصبح الفريق الوحيد الذي لم يهزم هذا الموسم من أندية الدوريات الكبرى في أوروبا، ووصل إلى 43 مباراة بدون خسارة.

قبل ساعات من انطلاق مباراة التتويج، بين ليفركوزن وبريمن، اصطفت جماهير الفريق الأحمر في شوارع مدينة ليفركوزن التي تقع في ولاية شمال الراين وستفاليا بألمانيا، أمام ملعب المباراة لتغلق الطريق تماما.

الجماهير ظلت ساعات في انتظار وصول حافلة فريق المدرب تشابي ألونسو إلى الاستاد، وعندما وصل الفريق بدأت الاحتفالات مبكرا قبل بداية المباراة خارج الملعب، وأطلقت الجماهير الألعاب النارية وهتفت لنجوم الفريق.

وقبل صافرة النهاية بلحظات، اقتحمت الجماهير ملعب المباراة لتبدأ لحظات الجنون بدخول الآلاف فوق العشب الأخضر والالتحام مع اللاعبين، ليتحول لون الملعب من الأخضر إلى الأحمر بلون قمصان مشجعي ليفركوزن.

وبصعوبة خرج الجمهور من الملعب، لتستكمل الاحتفالات بالخارج مع حافلة اللاعبين الذين حققوا أول بطولة دوري للنادي الذي تأسس منذ 120 عاما.

لم يكن تشابي ألونسو لاعب بايرن ميونيخ السابق يعرف أن أولى مهامه التدريبية ستكون إنهاء سيطرة فريقه القديم، ووقف سلسلة تتويج متتالي كان قد ساهم بها عندما كان لاعبا قبل أن يعتزل في صيف 2017.

تشابي بدأ مسيرته التدريبية بعد عام فقط من الاعتزال، وعمل في أكاديمية ريال مدريد الإسباني مدربا لفريق الشباب، لينتقل بعد عام آخر في صيف 2019 إلى ريال سوسيداد ليقود الفريق الثاني هناك.

ورأت إدارة ليفركوزن في المدرب الإسباني طموحا يتناسب مع فريقها الشاب الذي بنته من أجل منافسة الكبار، لتتعاقد مع ألونسو في الخامس من أكتوبر 2022، لتبدأ رحلة واحد من أفضل مدربي أوروبا.

ولم يكن الموسم الأول لألونسو مع ليفركوزن مثاليا، إذ احتل الفريق المركز السادس مكتفيا ببطاقة التأهل إلى الدوري الأوروبي الذي يقترب من بلوغ نصف النهائي به هذا الموسم.

وفي الموسم التالي، انفجرت قدرات ألونسو مع ليفركوزن، ولم يتعرض لأي خسارة حتى لحظة إعلان تتويجه بالفوز بلقب الدوري الألماني "بوندسليغا" للمرة الأولى في تاريخه.

ويمتلك المدرب الإسباني عقدا مع ليفركوزن يستمر حتى صيف 2026، لكنه بات منذ عدة أشهر هدفا واضحا لأكبر الأندية الأوروبية، وعلى رأسها ناديه السابق ريال مدريد.

قصة نجاح ألونسو مع ليفركوزن، فتحت له الباب لكي يتم وضع اسمه إلى جانب بيب غوارديولا ويورغن كلوب وزين الدين زيدان وأكبر مدربي أوروبا، على طاولة الأندية الكبرى الطامحة دائما في توظيف مدرب يتناسب مع طموحاتها.

تعود آخر خسارة لفريق بايرن ميونيخ للقب الدوري الألماني إلى موسم 2011-2012، الذي شهد تتويج بروسيا دورتموند بالبطولة، وما تلى ذلك كان سيطرة تامة لعملاق بافاريا.

فاز بايرن ميونيخ بلقب البوندسليغا موسم 2013-2014، ليستعيد لقبه الغائب منذ موسم 2009-2010، ويستمر في تحقيق حصد اللقب كل موسم لمدة 11 سنة متتالية، كان آخرها العام الماضي.

ويمر الفريق الألماني الكبير بمرحلة صعبة مع مدربه توماس توخيل، الذي كان أحد أهم أسباب خسارة اللقب هذا الموسم، بعد إخفاقه في بطولة دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، وتعرضه لانتقادات واسعة من الجمهور والإعلام.

وجاءت بداية عصر جديد لفريق ليفركوزن مع ألونسو، لتكتب نهاية حقبة سيطرة بايرن ميونيخ على البوندسليغا، وتجبر عملاق بافاريا على ثورة تصحيح مرتقبة، من المحتمل أن تطيح بالمدرب توخيل.

سجل تاريخ كرة القدم، العديد من المعجزات الرياضية، بتتويج فرق كانت غير مرشحة بالمرة قبل بداية الموسم، لينضم ليفركوزن إلى تلك القصص الملهمة بما فعله في 2024.

أحدث المعجزت قبل ليفركوزن، كان بطلها الفريق الإنجليزي ليستر سيتي الذي يعاني في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي بعد هبوطه من بريميرليغ.

ليستر سيتي حقق معجزة استثنائية في الدوري الإنجليزي الممتاز، وصعد من الدرجة الأولى ليحقق لقب بريميرليغ موسم 2016-2017، وسط منافسة شرسة مع ليفربول وأرسنال ومانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وتشيلسي وكبار المسابقة.

وتحت قيادة مدربه الإيطالي السابق كلاوديو رانييري، قدم ليستر سيتي تجربة ألهمت فيما بعد تشابي ألونسو وبايرليفركوزن، ومنحتهم الأمل في قدرتهم على وقف سيطرة بايرن ميونيخ على بوندسليغا.

ولأن المعجزات لا تأتي كل عام، ، وقعت المعجزة الكروية التي سبقت ليستر سيتي في عام 2004، قبل 12 عاما مما فعله رانييري، وذلك عندما توجت اليونان ببطولة الأمم الأوروبية "يورو 2004، على حساب البرتغال صاحبة الأرض.

وقبل إنجاز اليونان بـ14 عاما، توج منتخب الدنمارك باللقب الأوروبي ذاته في واحدة من أكبر معجزات كرة القدم، بعدما كان خارج البطولة، ليُستدعى فجأة للمشاركة ويفاجئ الجميع بحصد اللقب.