على طريقة مارديني.. ميس الفلسطينية تطارد حلمها في مصر

تقول البسطامي في حديثها مع وكالة "فرانس برس" من مسكنها الجديد بأحد الأحياء الراقية شرقي القاهرة، إنها كانت تعيش حياة تبيعية حتى السادس من أكتوبر الماضي، اليوم الذي شهد مشاركتها في بطولة محلية في قطاع غزة، أسفرت عن تتويجها بالمركز الأول.

البطولة التي شاركت بها البسطامي في غزة، أهلتها للمشاركة في بطولة أكبر تضم الضفة الغربية وغزة، لكي تصبح بطلة فلسطين في رياضة الكاراتيه، لكن ما حدث في الليلة التالية، كان كابوسا دمر كل الأحلام.

وتضيف ميس: "لم أتمكن حتى من تعليق ميداليتي الجديدة في المنزل، فقد أصبحت شخصا آخر في السادسة والنصف صباح يوم السابع من أكتوبر الماضي، كل ساعة مرت علينا كنا نكبر عاما، تركنا من منزلنا دون أن نأخذ أي شيء، ولا حتى للذكرى".

وتروي البسطامي قصة الخروج من غزة: "في كل ثانية كنا نسمع عن وفاة شخص ما، الساعة الواحدة كانت مفعمة بالأحداث، فقدت مدربي جمال الخيري، ولحقت به حفيدته زميلتي في التدريبات، نزحنا بعيدا عن الدمار، وتوجهنا إلى الجنوب، لم يكن هناك أي مكان آمن، الخطر يحدق بنا في كل الاتجاهات".

وبعد الرحلة الشاقة من شمال غزة إلى جنوبها، تمكنت أسرة ميس من العبور إلى سيناء لتأخذ رحلتها إلى القاهرة، وتستقر بعيدا عن نيران القصف ورائحة الموت.

وصلت ميس مع أسرتها إلى القاهرة في 20 أبريل الماضي، ورتبت حياتها الجديدة بعد الاستقرار في منزلهم بمصر، لتراودها فكرة العودة من جديد إلى رياضتها المفضلة وإكمال طريقها.

لم تكن البسطامي تعرف كيف تبدأ، لكنها لجأت إلى أحد مدربيها في المنتخب الفلسطيني، حسن الراعي، الذي ما زال باقيا في غزة، وقام من ناحيته بالاتصال مع نظرائه بمنتخب مصر، ليتم توفير مكان لتدريبات ميس.

وبهذه الطريقة عادت ميس للتدريبات بعد أسبوعين فقط من وصولها مصر، بمساعدة مدربي المنتخبين الفلسطيني والمصري، مضيفة: "الكابتن سيد سالم والكابتن ممدوح سالم يدربانني الآن في مصر، تبنياني منذ وصولي ويحاولن تطوير أدائي ومساعدتي على المشاركة في البطولات المقبلة.

وتضيف ميس: "لدي إصرار يعطي المدربين أملا أنني سأكون أفضل مما يتخيلان"، وتستعد اللاعبة الفلسطينية للمشاركة في بطولة الجمهورية في مصر المقررة في أغسطس المقبل.

ورغم استقرارها في حياتها الجديدة، وعودتها لملاحقة حلم البطولة الرياضية، لا تتوقف البسطامي عن الاشتياق إلى أصدقائها وأمكان تدريباتها في غزة، وتقول: "التدريب هناك كان مختلفا، كنت أشعر بسعادة أكبر، كنت أذهب إلى البحر كل جمعة للتدريب مع أصدقائي".

وتعتبر ميس نفسها سفيرة لفلسطين، تضع على عاتقها مسؤولية ضخمة، فنجاحها مرتبط بترديد اسم وطنها الذي تركته رغما عنه، لكنها تخشى المنافسة الأكبر والأصعب في مصر.

وتسترسل ميس: "مصر تمتلك عددا كبيرا من لاعبي الكاراتيه مقارنة بفلسطين، واللاعبون في مصر يتمتعون بتفوق تاريخي على نظرائهم في فلسطين".

وترى البسطامي أنها لا تمتلك أي مبرر للتوقف عن اللعب، مضيفة: "أنا لاعبة كاراتيه لماذا أترك رياضتي الآن دون إنجاز؟ لم يعد لدي حجة بعد وصولي مصر لتحقيق هدفي، تمثيل فلسطين في البطولات هو أقل ما يمكن تقديمي لبلدي والشهداء والجرحى، هذه مسؤولية وطنية".

ويقول مدرب البسطامي، في مصر ممدوح سالم، إن اللاعب الفلسطينية لديها إمكانيات وإصرار والتزام كبير، لكنه يعمل على معالجة بعض الأخطاء في أسلوبها، نظرا لأن الكاراتيه في فلسطين مستواه أضعف مما هو عليه في مصر.

وتابع سالم: "الكاراتيه لعبة قدرات وليست موهبة، لذلك أتوقع أن تتكيز ميس في هذه اللعبة، وإذا لم نستطع المحاربة معهم، فعلى الأقل نساعدهم على رفع اسم فلسطين في الخارج".

ألهمت السورية يسرى مارديني الرياضيين في عام 2012، فبعد أن مثلت سوريا في بطولة الاتحاد الدولي للسباحة العالمية، وتدربت بدعم من الجنة الأوليمبية السورية، لم تجد مفرا من الحرب وقررت النزوح خارج بلادها.

مارديني كانت تحلم بالمشاركة في أوليمبياد ريو دي جانيرو بالبرازيل 2016، لتنتهي هذه الفكرة تماما مع نشوب الحرب وتدمير المنشآت في بلادها، والتوقف عن ممارسة الرياضة، لكنها عادت من جديد في أوروبا بعد رحلة شاقة.

ووثقت منصة "نتفلكس" قصة مارديني في الخروج من سوريا إلى أوروبا، بفيلم "السباحتان" الذي روى حكايتها وشقيقتها سارة، منذ البداية إلى أن نجحت يسرى في الظهور بالفعل في دورة الألعاب الأوليمبية 2016، لتسجل انتصارا تاريخيا على الحرب والظروف القهرية بالعمل والأمل.