بين الظلم والتشاكس.. هل وقعت "خليف" ضحية صراع جيوسياسي؟

بدأ الخلاف بين اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي للملاكمة في 2019، وتحديدا عندما ورد اسم رئيس الاتحاد السابق الاوزبكي غفور رحيموف في قائمة عقوبات الخزانة الأميركية، بسبب مخالفات تتعلق بتمويل منظمة إجرامية.

وأضطر ذلك اللجنة الأولمبية الدولية لتعيين الصربي نيناد لالوفيتش، أحد أعضائها، لرئاسة فريق عمل من أجل التحقق في الأمر.

وسلم لالوفيتش وقتها تقريرا، عن مشاكل كبيرة تتعلق بعدم مقدرة الاتحاد الدولي للملاكمة على إدارة نفسه، بجانب وجود مديونية ستصل في 2021 إلى 29 مليون فرنك سويسري (31 مليون دولار)، وكذلك مشكلات تتعلق بالشفافية المالية والحوكمة.

ولاحقا استقال رحيموف عن منصبه، ليتولى المغربي محمد مستحسن المنصب بشكل مؤقت.

وقامت الجمعية العمومية للجنة الأولمبية بتجميد عضوية اتحاد الملاكمة وسحب أحقيته في تنظيم التصفيات المؤهلة إلى أولمبياد طوكيو 2020، منه وأيلولتها إلى فريق عمل خاص تابع لها.

وفي 2020 قام الاتحاد الدولي للملاكمة في سياق تخلصه من أزماته بانتخاب الروسي والعضو السابق في لجنته التنفيذية عمر كريمليف رئيسا له.

وبدأ عمر كريمليف في معالجة الأمور ووضعها في نصابها، وسعى نحو العودة إلى مظلة اللجنة الأولمبية، التي منحته خطة عملة واجبة النفاذ، على أن يُنظر في إعادة الاعتراف باتحاده في 2022، بحسب (سي إن إن).

في وقت كثف فيه عمر كريمليف من خطاه لمعالجة كل نقاط القصور والخلل، اندلعت الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، أي قبل الموعد المضروب لإعادته إلى الحظيرة الأولمبية.

ووجد كريمليف نفسه فجأة من بطل منقذ إلى مصدر تحوم حوله الشكوك، كما تحول إنجازه الكبير (تصفير الديون) إلى بند إخفاق.

ورفضت الأولمبية أخذ إنجاز سداد الديون في الاعتبار، بسبب أن الراعي الرسمي للاتحاد الدولي للملاكمة هو شركة غازبروم الروسية، والتي تم وضعها على قائمة العقوبات في أوروبا وأميركا.

وبدأت اللجنة الأولمبية بالنظر إلى عمر كريمليف بأنه أحد أذرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرياضة العالمية.

ورغم الاتفاق على النظر في عودة دولي الملاكمة للأولمبية الدولية في 2022، أعلنت لجنة باخ في منتصف 2022 عن برنامج تصفيات الملاكمة المؤهلة إلى أولمبياد باريس 2024 الحالي، مكررة سيناريو 2019.

ورفض الاتحاد الدولي للملاكمة ذلك، وقال إنه رغم امتثاله للقوانين، فإن الأولمبية الدولية تعاقبه بجريرة فساد "الرؤساء السابقين".

شكل شهر فبراير 2023 نقطة مفصلية في سياق الخلاف بين الأولمبية الدولية ودولي الملاكمة برئاسة عمر كريمليف.

والسبب أن اتحاد كريمليف أعلن عن أمرين مهمين، في سياق حديثه عن بطولتي العالم للملاكمة (رجال وسيدات) في نيودلهي (مارس 2023) وطشقند (مايو).

ويتعلق الأمر الأول يتعلق بإعلانه أنه سيعتمد نتائج البطولتين كتصفيات لأولمبياد باريس 2024، رغم إعلان الأولمبية الدولية خارطة طريق مسبقا لذلك.

أما الثاني، فتمثل في السماح للرياضيين الروس والبيلاروس بالمشاركة تحت أعلام بلدانهم، رغم حرمانهم في كل المحافل الأخرى.

ونتج عن ذلك انسحاب 8 اتحادات للملاكمة بقيادة أميركا وبريطانيا من تلك البطولة.

ولم يكتف اتحاد كريمليف بالأمرين، بل شدد على تطبيق معاييره الخاصة للمشاركة في البطولة، والتي تتعلق بأهلية الرياضيين والرياضيات الجنسية.

وهنا، ظهرت الجزائرية إيمان خليف والتايوانية لين يو تينغ في الواجهة، وذلك بعدما استبعدهما دولي الملاكمة، بسبب وجود كروموسوم ذكري "إكس وواي" في عيناتهن، وهو أمر رفضته اللجنة الأولمبية واعتبرته "تعسفيا".

وبعيدا عن اختلاف المعايير بين لجنة باخ واتحاد كريمليف، تزامن هذا الفحص والتدقيق، مع حملة في روسيا ضد "المثلية الجنسية"، وهي حملة تصاعدت في ظل الحرب الأوكرانية، خصوصا بعدما وقع الرئيس فلاديمير بوتين مرسوما في 2022 قضى بتصنيف المثلية في البلاد في نطاق "الأفكار والقيم المدمرة للمجتمع الروسي".

وبالعودة، للخلافات، قامت اللجنة الأولمبية في يونيو 2023 بسحب اعترافها رسميا من الاتحاد للملاكمة، وقالت إنها لم يستجب لأي من مخاوفها.

وبدوره، هاجم اتحاد كريمليف القرار، ووصف استبعاده من تنظيم تصفيات الأولمبياد بأنه شبيه بغزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفياتي في عام 1941.

وجاءت كل هذه التصعيدات في ظل استمرار الحرب وارتفاع وتيرتها في أوكرانيا.

هنالك موقفان، يجد عمر كريمليف نفسه، بسببهما، في موضع اتهام مباشر لكونه ذراع بوتين، اكثر من كونه رجل مؤسسة رياضية بدون أجندة.

الموقف الأول هو إعلانه في 2021 شركة غازبروم الروسية للبترول راعيا رسميا لاتحاد الملاكمة.

ولاحقا بعد الحرب، وتحت الضغط أعلن عن فسخ عقد رعاية الشركة في مايو 2023.

أما الموقف الثاني، فتجسد في إعلان قناة "CGTN" الصينية في مايو الماضي، عن وصول رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة عمر كريمليف، كمبعوث من الرئيس الروسي لبحث سبل التعاون الرياضي بين الدولتين.

وقد تفسر الخطوة الأخيرة، في سياق قطع كريمليف حبل الأمل في عودة المياه لمجاريها مع الأولمبية الدولية، التي انقلبت عليه بالتزامن مع اندلاع الحرب الأوكرانية.

ويفسر ذلك بدوره، التصعيد الأخير من اتحاد كريمليف الحالي ضد لجنة باخ، خصوصا بعد جدل الافتتاح، والذي انتهزه الروسي فرصة وصرح بقوله إن الألعاب الأولمبية نظمتها "ضباع" تستحق أن تؤخذ إلى "مزرعة خنازير".

ولاحقا وجد في جدل الإيطالية أنجيلا كاريني تجاه إيمان خليف فرصة ليعاود الهجوم على لجنة باخ، لكن هجومه وضع خليف كضحية لأزمة معقدة، ذات أبعاد جيوسياسية، وصراع نفوذ.

يذكر أن كريمليف أعلن تحفيز الإيطالية كاريني بجائزة مالية وكأنها فائزة بميدالية.

بدا واضحا منذ مايو الماضي، عند إعلان كريمليف تحفيز أبطاله المتوجين بالذهب ماليا بـ 50 ألف دولار لكل صاحب ميدالية ذهبية، و25 لصاحب كل فضية، و12.5 لكل صاحب برونزية، أن دولي الملاكمة في طريقه لزعزعة استقرار الأولمبية.

وبدوره، ردت أولمبية باخ على ذلك بتشجيعها عالم الملاكمة على الالتقاء حول هيئة إدارية جديدة والتي يمكن أن تكون "وورلد بوكسينغ" شابة، وهي هيئة منشقة تدعمها العديد من الاتحادات الغربية.

وألمح باخ كذلك إلى إمكانية حظر الملاكمة في أولمبياد لوس أنجلوس 2028، وقال:"لا يمكن للملاكمة أن تكون في أولمبياد لوس أنجليس (2028) إلا إذا كان لدينا شريك موثوق به. لذا يتعين على الاتحادات الوطنية للملاكمة الآن أن تتخذ قرارها. الأمر يتوقف عليها".