قد لا تكفي بضعة أسطر لتسليط الضوء على طبيعة العداوة التاريخية بين ريال مدريد وبرشلونة، والتي تعود جذورها إلى عام 1714، عندما ضم الملك الإسباني فيليب الخامس إقليم كاتالونيا، الذي كان ذا سيادة وقتها، إلى سلطاته، قبل أن يبدأ سكان الإقليم في معاداة كل ما يرمز للمكية الإسبانية.

وفي 1902، عندما تأسس نادي ريال مدريد بتاجه الملكي، بات العدو الأول لبرشلونة (النادي) الذي سبقه في التأسيس بـ3 أعوام، بشعاره الفريد (أكثر من مجرد ناد).

واستمرت العداوة التاريخية، وباتت مباريات الفريقين بمنزلة معركة مزدوجة (سياسية ورياضية)، لكنها بالمقابل تحولت إلى حدث عالمي، إذ بات يطلق على اللقاء "كلاسيكو الأرض".

وبعيدا عن التاريخ، حملت الأعوام الأخيرة الكثير من المشاحنات، بين الناديين، خصوصا بعد اتهامات برشلونة في قضية نيغريرا (نائب رئيس لجنة الحكام الإسبانية السابق)، بشأن قضايا رشى للحكام، والتي تفجرت في مطلع 2023.

وحتى في هذه، انحصر هجوم ريال مدريد على الجانب الإعلامي، إذ ظل تلفزيون النادي، يشن هجوما على برشلونة بين الحين، ويطلق على الليغا دوري نيغريرا.

ولكن عندما اقترب الخطر من برشلونة ككيان، غيّر ريال مدريد ورئيسه فلورنتينتو بيريز توجهه، إذ وقف بجانب برشلونة، عبر رفضه التوقيع على بيان من رابطة الليغا في فبراير 2023 لإدانة برشلونة في قضية نيغيريرا، وهو موقف بحال دعمه ريال مدريد، بنفوذ رئيسه في إسبانيا، كان من الممكن أن يتأذى منه برشلونة بالهبوط أو خصم نقاط.

وبعدها، اتخذ بيريز موقفا صلبا تجاه برشلونة، لكنه في سياق قضية عادية تتعلق بالندية، وذلك عندما قاطع الكلاسيكو في 28 أكتوبر 2023، احتجاجا على تغريدة ميكيل كامبس نائب المتحدث الرسمي لبرشلونة، التي وصف فيها فينيسيوس جونيور بـ"المهرج"، وبدأ أنه في طريقه للتصعيد ضد برشلونة.

والآن، عندما لاحت الفرصة بشأن قضية أولمو، رفض الانضمام إلى أندية أتلتيكو مدريد وإشبيلية وأتلتيك بيلباو، في سياق مطالبتها لرابطة الليغا بالتدقيق في الرافعة الاقتصادية التي ينوي خوان لابورتا تفعيلها، والمتعلقة ببيع مقاعد المقصورة الرئيسية في ملعب كامب نو، مقابل 100 مليون يورو لتسجيل أولمو.

وبدا أن بيريز يشفق على برشلونة، بل ويتمنى أن يسجل لاعبه داني أولمو، ليس لتأثير اللاعب الفني، وإنما لما يمكن أن يسببه الفشل في ذلك للنادي من أضرار (مثل هجرة نجومه ورفض النجوم الجدد الانضمام له)، لتزيد إجمالا من متابعه الحالية، وتعصف به إلى أتون المجهول.

في ميركاتو 2022 الصيفي، حاصرت الشكوك رئيس برشلونة خوان لابورتا، بشأن مقدرة النادي على ضم صفقات روبرت ليفاندوفسكي وجول كوندي ورافيينا، لكنه سرعان ما حصل على رافعة اقتصادية ببيعه 10% من حقوق البث التلفزيوني لمدة 50 سنة المقبلة، لشركة "سيكست ستريت" الأميركية مقابل 271 مليون يورو.

وعقب الصفقة أكدت صحيفة "آس" أن الصفقة تمت بإيعاز من فلورنتينو بيريز، الذي سبق برشلونة ببيع 20% من حقوق البث المستقبلية.

أما صحيفة ماركا، فقالت إن ظهور "سيكست ستريت" في إسبانيا، أساسا، كان السبب فيه هو شركة "كي كابيتال" الإسبانية، والتي يملكها أصدقاء فلورنتينو بيريز المقربين بورخا برادو وأناشي لاغاري، وهذا الأخير تم تعيينه من قبل بيريز كمدير تسويقي لدوري السوبر الأوروبي.

وقد لا يصدق أحدا فعل بيريرز لذلك، خصوصا في ظل الأرقام المبهرة لروبرت ليفاندوفسكي، وما يمكن أن يسببه المهاجم البولندي لريال مدريد من متاعب في الكلاسيكو، لكن يبدو أن نظرة بيريز كانت أبعد من حسابات الربح والخسارة.

قد يقفز إلى ذهن الجميع مباشرة أن السبب هو قناعة برشلونة ورئيسه خوان لابورتا بمشروع دوري السوبر الأوروبي، والذي يعد من بنات أفكار رئيس الريال فلورنتينو بيريز، وهو سبب مؤكد وقوي وراجح أيضا.

ومنذ ظهور فكرة "السوبر ليغ" في 2021، وانسحاب الأندية المتتالي منها تحت ضغط جماهيرها، وترهيب الاتحاد الأوروبي "يويفا" والفيفا، ظل ريال مدريد وبرشلونة يؤمنان بالفكرة.

ولم يكتف الريال وبرشلونة بالإيمان بفكرة السوبر ليغ، بل قاما بتقديم شكوى ضد يويفا والفيفا لدى محكمة العدل الأوروبية التي حكمت لصالحهما في ديسمبر 2023، فيما يخططان حاليا رفقة شركة A22 Sports المنظمة لإطلاق البطولة قريبا تحت مسمى "الدوري الموحد".

لكن هنالك أسباب أخرى، تتعلق برغبة ريال مدريد في أن يستمر برشلونة قويا، حتى يحتفظ كلاسيكو الليغا بينهما بهالته وجماهيريته.

ولم يصل الكلاسيكو إلى مكانته الحالية، بفضل فريق واحد، وإنما بسبب قوة الريال وبرشلونة، لدجة أن عوائد هذه المباراة أصبحت تعادل مداخيل دول كاملة، كما ظل يحظى بنسب مشاهدة كبيرة جدا تتفوق أحيانا على نهائيات بطولات معتبرة.

ومن جهة أخرى، يدرك بيريز أيضا أن كل جهده الذي بناه في الفترة الأخيرة قد يصبح بلا قيمة، بحال تدهورت أوضاع برشلونة الاقتصادية، وبدأ ريال مدريد يهيمن على الدوري الإسباني منفردا، مثل بايرن ميونخ في ألمانيا وباريس سان جيرمان في فرنسا، وهو أمر إن حدث سينهي مكانة الليغا، ويجعلها بطولة مهملة، لذا فإن بيريرز (رجل الأعمال)، لن يتواري حتى في دعم برشلونة من جيبه الخاص، ناهيك عن دعمه بمواقف في قضايا مصيرية، وهي معادلة تبدو منطقية في سياق نجاحات الفريقين.