شجرة عائلية من الفضاء.. علماء يفكّكون نسب النيازك
أعاد فريق من الباحثين الفرنسيين تكوين شجرة عائلة الكوندريتات من النوع "إل(L)"، وهي من أكثر النيازك التي تسقط على كوكب الأرض، ويُعتقد أنها مرتبطة بـ٣ عائلات على الأقلّ من الكويكبات.
ويُقدَّر عدد النيازك التي تصطدم بكوكب الأرض بنحو 30 ألفا سنويا. وتنشأ هذه النيازك من جسم يشكّل الأصل، وقد يكون مثلا كوكبا أو كويكبا، انفصل عنه النيزك إثر اصطدام قوي بجسم آخر.
ويسعى العلماء منذ عقود إلى ربط هذه النيازك بأجسامها الأصلية، وخاصة بعائلات الكويكبات التي تُشكل الحزام بين المريخ والمشتري.
وفي دراسة نشرتها، الجمعة، مجلة "نيتشر أسترونومي"، ركّز فريق فرنسي يضمّ باحثين من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، والمركز الوطني للبحوث العلمية، وجامعة السوربون، ومركز البحوث الصخرية والجيوكيميائية في نانسي، ومرصد كوت دازور، على الكوندريتات من النوع "إل" التي تحتوي على نسبة متوسطة من الحديد.
وتُمثل هذه النيازك 35٪ من المجموعات، لكن أصلها لا يزال "موضع جدل كبير" في الأوساط العلمية، وفقا لما ذكرته المعدّة الرئيسية للدراسة مارين سيوكو.
وأجرى الباحثون تحليلا لـ٨ نيازك كوندريت من النوع "إل" جُمعت من الصين وأستراليا والصحراء الكبرى، تتميز بأنّ آثارا عدة تظهر عليها للصدمات التي حدثت أثناء قذفها. وتحتوي هذه الآثار على مؤشرات قيّمة.
خلال هذه الصدمات، يمكن أن تتجاوز درجات الحرارة ألفَي درجة، مما يؤدي إلى ذوبان الصخور محليا. وقالت سيوكو لوكالة فرانس برس "يُعاد تشكيل المعدن بالكامل، ويعاد ضبط الكرونوميتر الراديوي، أي أزواج الذرات التي تتيح تحديد عمره قذف النيزك".
وأضافت أن هذه الصدمات، بناء على مدتها، تُحدث أيضا تباينات كيميائية في المعادن، مما يُتيح استنتاج حجم الكويكب الأصلي.
واستخدم الباحثون أيضا بيانات جُمعت من سقوط نيازك حديثة لتتبع مسارها وتقدير منطقة نشأتها في حزام الكويكبات الرئيسي، بهدف تحديد الأجسام التي يتوافق تركيبها مع تركيب الكوندريتات من النوع "إل".
وأظهرت النتائج التي توصل إليها الباحثون سيناريو أكثر تعقيدا مما كان يُعتقد سابقا.
فقد كان الظن سائدا بأن الكوندريتات من النوع "إل" تنشأ من جسم بدائي قطره نحو 320 كيلومترا تَشكّلَ في بداية النظام الشمسي قبل 4.5 مليارات سنة، قبل أن يتعرض لاضطراب كبير قبل 470 مليون سنة.
لكنّ الباحثين طرحوا سيناريو "سلسلة اصطدامات"، وقعت قبل 4500 و4470 و700 و470 و100 مليون سنة. ويُنتج هذا السيناريو "ثلاث عائلات من الكويكبات على الأقل" نشأت منها النيازك الموجودة على الأرض.
ويُعتقد أن الكوندريتات التي يبلغ عمرها 470 مليون عام، نتجت عن اصطدامين منفصلين بين "جيفيون 2" و"جونو"، أحد أكبر الكويكبات في الحزام والذي لا يزال يرسل نيازك إلى الأرض بانتظام.
وأدّى هذان الاصطدامان المتزامنان إلى تدفق نيزكي، عُثر على آثاره في طبقات جيولوجية تعود إلى نهاية العصر الأوردوفيشي، قبل 466 مليون عام.
وكانت هذه اللحظة مفصلية في تاريخ كوكب الأرض، تميزت بعصر جليدي وأول انقراض جماعي، عندما كانت الحياة تقتصر على الحياة البحرية.
ومن خلال تعتيم الغلاف الجوي، قد يكون هطول النيازك شكّل أحد عوامل هذا التبريد الذي كانت عواقبه كارثية.
ويعود تاريخ حلقة جليدية أخرى، وهي الكريوجينية، إلى 700 مليون عام، وهو التاريخ الذي حدده فريق البحث لاصطدام آخر، ربما أدّى إلى تكوين عائلة نيسا-بولانا. وهذا يشير أيضا إلى "وجود صلة محتملة بين هذه الظواهر المناخية ورواسب النيازك"، على ما ضرّحت سيوكو.