"هايبرنوفا".. نظارات زوكربيرغ الذكية لمرحلة ما بعد فيسبوك
أعلن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، عن إطلاق مشروعه الجديد "هايبرنوفا" خلال فعالية "ميتا كونكت" بمقر الشركة في منتلو بارك. تمثل هذه النظارات الذكية جيلاً متقدماً من سلسلة "راي-بان ميتا"، وتضم للمرة الأولى شاشة داخل العدسة اليمنى لعرض الإشعارات والخرائط والمحتوى السياقي بشكل مباشر أمام المستخدم.
يعكس إطلاق "هايبرنوفا" تمسك زوكربيرغ بموقع الصدارة في سباق التكنولوجيا، بعد سنوات من الاستثمارات في مجالات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي، حسب صحيفة
لوفيغارو. فمنذ استحواذه على شركة "أوكيولوس" عام 2014، ثم دخوله في شراكة مع "إيسيلور لوكسوتيكا" لإنتاج نظارات ذكية، يسعى إلى تحويل "ميتا" إلى منصة رائدة تتجاوز إطار شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية.
وقد عبّر زوكربيرغ بنفسه عن دعمه لمشروعه الجديد قائلاً: "أعتقد أنّه في المستقبل، إذا لم تكن لديك نظارات مزوّدة بالذكاء الاصطناعي أو وسيلة للتفاعل مع هذا الذكاء، فستكون على الأرجح في وضع إدراكي أقل من الآخرين، من زملائك أو منافسيك".
هذه الخطوة تأتي في وقت يتراجع فيه نفوذ فيسبوك، المنصة التي صنعت شهرة زوكربيرغ. فقد أظهرت
دراسة أنّ 70% من الشباب بين 18 و24 عاماً في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا خفّضوا من نشاطهم على فيسبوك، بينما يواصلون التوجه إلى منصات أخرى مثل تيك توك وإنستغرام. كما كشفت
رسائل بريد إلكتروني داخلية من أبريل 2022، عُرضت في سياق قضية مكافحة الاحتكار التي تواجهها "ميتا"، أنّ زوكربيرغ نفسه أقرّ بتراجع "الأهمية الثقافية" لفيسبوك، محذراً من تداعيات أعمق على المدى الطويل.
في هذا السياق، يمثّل إطلاق "هايبرنوفا" محاولة لإعادة تثبيت موقع "ميتا" كلاعب أساسي في صناعة التكنولوجيا، عبر الجمع بين الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز، وفتح مسار جديد يتجاوز أزمات الشبكة الأم.
تشير
تقارير إلى تراجع مكانة المنصة بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة، مع انتقال أعداد متزايدة من المستخدمين الشباب إلى تيك توك وإنستغرام، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في نسب التفاعل.
انعكس هذا التحول أيضاً على المعلنين الذين فضّلوا توجيه ميزانياتهم نحو المنصات الصاعدة، بينما واجه فيسبوك سلسلة من الأزمات التي أضعفت سمعته، من فضيحة "كامبريدج أناليتيكا" إلى الانتقادات المتواصلة بشأن الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية. ومع تزايد الفجوة بين الأجيال، باتت المنصة مرتبطة في أذهان كثيرين بفئة عمرية أكبر، ما أفقدها جاذبيتها لدى الشباب.
كما تُظهر
دراسات أنّ عوامل أخرى تساهم في تراجع جاذبية فيسبوك. فقد أشار 33% من المستطلَعين إلى كثرة الإعلانات والمحتوى غير ذي الصلة، وذكر 27% مشكلة الحسابات الوهمية والمضايقات، فيما عبّر 23% عن مخاوف تتعلق بالخصوصية، وأكد 22% أنّ انتشار المعلومات المضللة يؤثر على تجربتهم في استخدام المنصة.
"هايبرنوفا".. محطة مفصلية في مسار النظارات الذكية
يتجاوز مشروع "هايبرنوفا" الجيل الثاني من نظارات "راي-بان ميتا" التي دمجت وظائف التقاط الصور والفيديو وإجراء المكالمات والترجمة الفورية. وللمرة الأولى، ستتضمن النظارات شاشة صغيرة داخل العدسة اليمنى تتيح عرض الإشعارات والخرائط والمعلومات السياقية بشكل مباشر أمام عين المستخدم.
يتزامن توقيت الإطلاق مع طرح الجيل الثالث من "راي-بان ميتا"، مع تعاون خاص مع شركة الأزياء العالمية "برادا" لتصميم إطارات سميكة عصرية مع أداة تحكم عبر سوار في المعصم. بينما تم تخفيض السعر من 1200 إلى 800 دولار، لا يزال خبراء السوق يشككون في مدى استعداد المستهلكين العاديين لشراء نظارات بهذا السعر.
شراكة مع لوكسوتيكا.. من فشل "ستوريز" إلى النجاح التجاري
تعود بداية هذا المسار إلى عام 2019 حين زار زوكربيرغ مصنع "لوكسوتيكا" في إيطاليا وأُعجب بخبرتها في تحويل النظارات إلى إكسسوار موضة.
في 2020 تم إبرام الشراكة رسمياً بين "ميتا" و"إيسيلور لوكسوتيكا"، وكانت النتيجة الأولى عام 2021 بإطلاق نظارات "راي-بان ستوريز"، انتهت بفشل تجاري بسبب محدودية وظائفها.
لكن الجيل الثاني المسمى "راي-بان ميتا" انطلق بقوة في 2023، مع إدماج مساعد ذكاء اصطناعي وقدرات ترجمة فورية. وبأسعار تتراوح بين 329 و409 يورو في أوروبا، باعت الشركة أكثر من مليوني وحدة خلال عامين، مع خطة لإنتاج عشرة ملايين بحلول 2026. كما عززت النسخة الرياضية بالتعاون مع "أوكلي" هذا النجاح، لتصبح النظارات منصة عملية لنشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
منافسة محتدمة وتحديات قائمة
يأتي إطلاق "هايبرنوفا" في وقت يتسارع فيه دخول عمالقة التكنولوجيا الآخرين، مثل غوغل، آبل، أمازون، سناب، سامسونغ، وحتى شركات صينية ناشئة. تشير التقديرات إلى أن حجم السوق قد يتضاعف أربع مرات ليبلغ 8 مليارات يورو بحلول 2030.
ورغم أن "ميتا" تجاوزت بعض العقبات التقنية مثل ضعف البطارية والاتصال، إلا أن تحديات أساسية لا تزال قائمة كانتهاك الخصوصية نتيجة التصوير والتجسس المحتمل. وتزداد هذه العقبات ثقلاً على "ميتا" تحديداً بالنظر إلى سجل فيسبوك في فضائح تسريب البيانات.
من "هايبرنوفا" إلى "أوريون".. القفزة المستقبلية
تعتبر "هايبرنوفا" مرحلة انتقالية لزوكربيرغ الذي يستعد لإطلاق مشروع أكبر يتمثل في نظارات "أوريون" التي وُصفت بأنها "الأكثر تقدماً على الكوكب"، قادرة على عرض محتوى هولوغرامي متعدّد الشاشات يدمج بين العالمين الواقعي والافتراضي. تم عرض نموذج أولي عام 2024، وأظهر قدرات تشمل اقتراح وصفات عند النظر داخل الأغذية داخل الثلاجة أو إدارة مكالمات وتقويم رقمي أثناء أداء الأعمال المنزلية.
تعود هذه الرؤية إلى استحواذ "ميتا" على شركة "أوكيولوس" عام 2014 مقابل ملياري دولار. واليوم، تسعى الأجيال الجديدة من النظارات إلى إعادة إحياء مشروع الميتافيرس المتعثر عبر دمج الذكاء الاصطناعي بالواقع المعزز.
معضلة التوازن بين السياسة وسلاسل التوريد
يواجه مارك زوكربيرغ تحدياً استراتيجياً مع إطلاق نظارات "هايبرنوفا"، بحسب تقرير لصحيفة
فاينانشال تايمز. فبينما يسعى إلى تعزيز موقع ميتا في السوق الأميركية عبر الاصطفاف مع إدارة الرئيس دونالد ترامب في موقفها المتشدد تجاه بكين، تظل الشركة معتمدة بشكل كبير على المورد الصيني "غورتيك" لتصنيع مكونات أساسية للنظارات الذكية.
رغم محاولات ميتا تنويع سلسلة التوريد عبر نقل جزء من إنتاج خوذ "كويست" إلى فيتنام، بقيت "غورتيك" الشريك الأكثر استقراراً وموثوقية، بل وسّعت نفوذها عبر الاستحواذ على شركات متخصصة مثل "أومني لايت" في شنغهاي ودعم استحواذ على "بليسي" البريطانية، وكلاهما من موردي مكوّنات ميتا.
وتشير فاينانشال تايمز إلى أن اعتماد ميتا على هذا المورد يضع مارك زوكربيرغ في موقع معقّد، إذ يعلن دعمه لتفوّق الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي في مواجهة الصين، ويشارك عبر شركته في مشاريع دفاعية مع واشنطن، بينما تظل «ميتا» مرتبطة بمورد صيني أساسي لتأمين المكوّنات الحيوية لمنتجاتها.