من تتبّع الخطوات إلى تتبّع الفضلات.. أجهزة جديدة تقتحم الحمّامات
في السنوات الأخيرة، لم تعد الأجهزة القابلة للارتداء مجرد أدوات لعدّ الخطوات أو مراقبة نبضات القلب، بل تحوّلت إلى منظومات رقمية تلاحق الجسد في أدق تفاصيله، تجمع البيانات وتحوّلها إلى مؤشرات دقيقة تُستخدم لتحسين اللياقة والصحة. لكنّ هذه الموجة التقنية لم تتوقف عند المعصم أو الجيب أو السرير، بل امتدّت إلى مكان لا يخطر على بال كثيرين: المرحاض.
فبحسب تقرير نشرته صحيفة
الغارديان البريطانية، بدأ جيل جديد من الأجهزة الصحية يقتحم الحمّامات المنزلية بهدف تتبّع الفضلات البشرية وتحليلها لتقديم مؤشرات دقيقة عن صحة الجهاز الهضمي. هذه القفزة التقنية تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المراقبة الصحية لا تكتفي بما يظهر على أجسادنا، بل تتوغّل في ما نتركه وراءنا.
بعد أن كانت أدوات القياس الرقمية محصورة في تتبّع الأنشطة الظاهرة للجسم، ظهر جيل جديد من الأجهزة المصممة خصيصاً للحمّامات، مهمته التقاط صور دقيقة للمخرجات البشرية وتحويلها إلى بيانات تحليلية تُعرض على المستخدمين في تطبيقات مخصّصة.
الجهاز الأبرز حالياً هو Dekoda من شركة Kohler الأميركية، ويبلغ سعره 599 دولاراً مع اشتراك سنوي. يُثبّت الجهاز داخل المراحيض المنزلية الحديثة، وتحديداً تلك التي تتميّز بتصميم الحوض الأميركي التقليدي، حيث تطفو الفضلات على سطح الماء، مما يسمح للكاميرا المثبتة في الجزء الداخلي من المرحاض بالتقاط صورة واضحة من الأعلى مباشرة بعد الاستخدام.
تبدأ العملية عندما يضع المستخدم بصمته لتفعيل الجلسة، وفور ملامسة البول لمستوى الماء في المرحاض تشتعل مصابيح LED الصغيرة داخل الجهاز، وتلتقط الكاميرا صوراً عالية الدقة للمخرجات. تُرسل هذه الصور فوراً إلى خوادم الشركة حيث تُحلّل بخوارزميات خاصة تستغرق 3 إلى 5 دقائق قبل أن تظهر النتائج على تطبيق الهاتف المحمول.
هذه النتائج تُقارن بـ "مقياس بريستول للبراز"، وهو أداة طبية مستخدمة لتصنيف شكل الفضلات والهدف من هذا التحليل ليس تشخيص المرض، بل تقديم مؤشرات مبكرة على تغيّرات الجهاز الهضمي أو ترطيب الجسم.
رغم وعود الشركة بأن المنتج مزوّد بإجراءات حماية مثل المصادقة ببصمة الإصبع والتشفير الكامل، فإن فكرة أن المرحاض أصبح قناة لجمع البيانات الشخصية تثير الكثير من القلق والجدل.
الشركة ليست مؤسسة طبية، وبالتالي لا تخضع لقوانين الخصوصية الصحية الأميركية، HIPAA، ما يعني أنّ البيانات التي تُجمع قد تُستخدم لأغراض غير واضحة أو تُشارك مع شركاء تجاريين.
هذا الجدل يعيد إلى الأذهان قضايا مشابهة، مثل المخاوف التي أثارها إفلاس شركة "23andMe" الخاصة بالاختبارات الجينية، عندما طُرح سؤال حول مصير بيانات ملايين المستخدمين. واليوم، يبدو أن المرحاض أصبح خطاً جديداً في معركة الخصوصية الرقمية.
من "الهوس بالخطوات" إلى "الهوس بالمخرجات"
يرى خبراء الصحة أنّ تتبّع الفضلات ليس بالضرورة مؤشراً دقيقاً على الصحة العامة، إذ تقول أخصائية التغذية أماندا ساوسيدا إن هذه الأجهزة قد تجعل المستخدمين مهووسين بمطاردة صورة مثالية للبراز، في حين أن الواقع البيولوجي أكثر تعقيداً وتقلّباً. فبكتيريا الأمعاء يمكن أن تتغيّر خلال يومين فقط من تعديل النظام الغذائي، ما يجعل الاعتماد على هذه الأجهزة وحدها مضلّلاً.
كما تحذّر من أنّ التركيز المفرط على مظهر المخرجات قد يخلق قلقاً صحياً غير مبرّر، بينما الحل الحقيقي يكمن في أساسيات بسيطة مثل التغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم.
سوق ناشئة وسباق على البيانات
ظهور أجهزة مثل Dekoda وThrone، من شركة ناشئة في أوستن بسعر 319 دولاراً، يعكس سباقاً محموماً على دخول سوق واعدة، حيث يُنظر إلى الفضلات كمصدر غير مستغل للبيانات الصحية.
تمثّل كل صورة وكل تحليل لبنة في بناء قاعدة معلومات ضخمة عن عادات ملايين البشر اليومية. ومع تصاعد هذا الاتجاه، قد نشهد في المستقبل القريب دمج هذه البيانات مع منصات الصحة الرقمية الكبرى، ما يزيد من قيمتها التجارية والطبية في آن واحد.
لا شك أنّ هذه الأجهزة تمثّل نقلة نوعية في فهمنا لصحة الجهاز الهضمي، لكنها في الوقت ذاته تفتح الباب على مصراعيه أمام أسئلة جوهرية: من يملك هذه البيانات؟ من يحق له الاطلاع عليها؟ وماذا لو استُخدمت في الإعلانات أو التأمين الصحي أو حتى في ملفات التوظيف؟
يقول أحد خبراء إدارة البيانات الصحية إن دخول المرحاض إلى منظومة "إنترنت الجسد" يمثّل لحظة مفصلية، "نحن لم نعد نتحدث عن ساعات ذكية، بل عن أجهزة تعرف أدق تفاصيل حياتك حتى بعد أن تغلق الباب".