معقل المصارعين يرفض الصخب.. الكولوسيوم يعزف على نغمة الهدوء
في محاولة لإعادة إحياء أحد أبرز رموز التاريخ الإنساني دون المساس بقدسيته، أعلن مدير الحديقة الأثرية للكولوسيوم في روما، سيموني كويليتشي، رفضه القاطع لما تردد عن نية إقامة حفلات لموسيقى الرقص الإلكترونية داخل المدرج العريق، مؤكداً أن أي فعاليات مستقبلية ستقتصر على العروض الهادئة كحفلات الجاز أو العزف الصوتي، بما يليق بمكان يحمل رمزية دينية وثقافية عميقة.

سيموني كويليتشي يشاهد الكولوسيوم. أ ب
ويخطط كويليتشي لتنظيم عروض فنية وتاريخية تحاكي معارك المصارعين القديمة، إلى جانب فعاليات شعرية ومسرحية، بهدف تحويل الكولوسيوم من مجرد مقصد سياحي مزدحم إلى فضاء ثقافي حيّ يستعيد روح روما ويمنح زوارها تجربة فنية راقية.
وقال كويليتشي لوكالة أسوشيتد برس إنه تلقّى شكاوى من علماء آثار ومن سكان روما العاديين الذين شعروا بالاستياء من احتمال تدنيس تراثهم الثقافي بهذه الطريقة. حتى محبّو الموسيقى الإلكترونية أعربوا عبر الإنترنت عن قلقهم من الضرر الذي قد تُلحقه الإيقاعات القوية ببنية أثرية ما زالت تكشف عن مفاجآت جديدة، مثل الممر السري للإمبراطور الذي سيفتتح في 27 أكتوبر.
وأكد كويليتشي أن الحفلات الموسيقية يجب أن تحترم الكولوسيوم بوصفه "مكاناً مقدساً"، لأنه جزء أساسي من هوية روما وقد اكتسب بمرور الزمن دلالة دينية. فاليوم يُقام فيه موكب درب الصليب خلال عيد الفصح، والذي يترأسه البابا تقليدياً.

إحدى الفعاليات في الكولوسيوم. أ ب
وقال كويليتشي (55 عاماً) الجمعة، في أول مقابلة له مع وسيلة إعلام أجنبية منذ توليه المنصب في 20 أكتوبر "يجب أن تكون الموسيقى مضبوطة بعناية. ذكرتُ أسماء بعض الفنانين، ولم يكن ذلك صدفة، ممن لم يعودوا يؤدّون موسيقى الروك منذ فترة، بل يعزفون موسيقى هادئة ويجذبون جمهوراً هادئاً، لأن الأهم هو ألا تكون هناك حشود صاخبة."
وأضاف مازحاً "قلت إنني أقصد الروك باعتدال، أي نوعاً أكثر هدوءاً من الموسيقى. لكن ما نُقل عني كان عكس ما قلته".
الأبواب مفتوحة لـ"ستينغ" والمصارعين
قال كويليتشي إن الحفلات يمكن أن تكون عزفاً صوتياً أو جاز، مقترحاً ستينغ كمثال. ويمكن للمدرج أن يستضيف أيضاً قراءات شعرية وعروض رقص ومسرحيات بعد توسيع المنصة الصغيرة الموجودة حالياً. كما تشمل الخطط إعادة تمثيل تاريخية لمعارك المصارعين تعتمد على أبحاث أكاديمية.

إحدى الفعاليات في الكولوسيوم. أ ب
وأضاف "هناك أشخاص يمتلكون معرفة عميقة بالحياة اليومية في العصور القديمة، بدرجة مذهلة من الدقة العلمية، لذلك فإن مثل هذه الأنشطة مُرحَّب بها للغاية داخل حديقة الكولوسيوم".
وشدد على أن هذه العروض ستكون نقيضاً تاماً للممثلين المتنكرين بملابس رديئة لجنود رومانيين الذين يحاصرون الكولوسيوم ليلاً، يلتقطون الصور مع السائحين ثم يضايقونهم طلباً للمال.
وأوضح أن أول الحفلات والعروض في الكولوسيوم لن تُقام قبل عامين على الأقل.
حفلات موسيقية تاريخية في الكولوسيوم
على مر السنين، لم يُقم داخل الكولوسيوم سوى عدد محدود من الحفلات، من بينها راي تشارلز عام 2002، وبول مكارتني عام 2003، وأندريا بوتشيلي عام 2009، وجميعها كانت فعاليات خاصة بحضور محدود للغاية.

مغني الجاز الأميركي راي تشارلز. أ ب
وقال كويليتشي من أعلى شرفة الكولوسيوم "للأسف، كما يعلم الجميع، السياحة نشاط تجاري، صناعة لا ترتبط دائماً بالثقافة. إدخال الأنشطة الثقافية إلى هذا المزيج سيُثري المكان، ليصبح ليس فقط موقعاً للزيارة، بل أيضاً فضاء يمكن للناس أن يعيشوا فيه تجارب فنية ويستمتعوا بها".