شباب
.
"مجموع نقاطك يكفي.. مبروك يمكنك الزواج، تنقصك نقطة واحدة.. عفوا لن تتمكن من الزواج من شريكتك"، هذا ليس سيناريو إحدى حلقات مسلسل الرعب، Black Mirror، الذي يصور حياة البشر في مستقبل تتحكم فيه التكنولوجيا بشكل كامل.
ما يحدث في الدنمارك، يعتبر أمرا غريبا حتى بالمعايير الأوروبية نفسها.
فإذا وقعت في حب فتاة أوروبية وقررتما الارتباط، فما هي أهم الشروط التي قد تواجهكما للانتقال للعيش معاً؟
أغلب الحكومات تضع شروطاً للتأكد من مصداقية العلاقة مثل الصور الشخصية والرسائل، وتجري معكما مقابلات شخصية، وتطلب أن يكون لدى المستضيف سكنٌ ملائمٌ ووظيفةٌ أو مصدر للدخل يكفي حاجة شريكه.
هذا في أوروبا، لكن لمملكة الدنمارك قصة أخرى تماماً، فالحب هناك تقيمه الدولة من خلال النقاط.
تتعامل الدنمارك مع الزواج بين شخصين أحدهما يحمل جنسية المملكة باعتبارها "معاملة لم شمل عائلي"، هذا النوع من التصنيفات يعتمد على ما يسمى "مؤشر الانتماء الوطني للزوجين تجاه الدنمارك مقارنة ببلد الزوج المهاجر". تعطي الدنمارك لهذا الانتماء عدداً معيناً من النقاط، وتقيّم طلب لم الشمل بناءً عليه.
لا تهتم الحكومة إن كانت العلاقة حقيقة، أو كانا قادرين على العيش معاً. ما تختبره في "امتحان حقيقي" هي القدرة على الاندماج لدى المهاجر في نسيج المجتمع الدنماركي و"احتمالية" تقبل المجتمع له.
هذا المعيار أعطى الدنمارك مرتبة الدولة الأسوأ على مستوى العالم الغربي فيما يتعلق بلم شمل العائلات.
"يجب أن يكون الارتباط المشترك بينك وبين زوجتك أو شريكتك بالدنمارك أكبر من ارتباطك المشترك بأي بلد آخر"، هذا هو جوهر "الارتباط الرسمي" الذي فرضته الحكومة الدنماركية عام 2002، قبل أن تضيف إليه العديد من التعقيدات على مدار السنين تحت الهدف المعلن "تقليل معدل قبول طلبات لم شمل الأزواج من الدول غير الغربية".
يجب أن يكون الشريك الدنماركي مولود في الدولة لمدة لا تقل عن 26 سنة، أو أن يكون حاصلا على الجنسية الدنماركية قبل 26 سنة، عاش منها ما لا يقل عن 12 سنة في الدنمارك لضمان تشبعه بقيّم وهوية الدولة.
نقاط إضافية يحصل عليها صاحب الطلب عند إيداع "رهن مالي" للحكومة بما يعادل ٧٥٠٠ يورو، تقريبا.
نقاط إضافية إن كان للزوج المستضيف "سكن ملائم" وفق شروط معينة من حيث المساحة والموقع الجغرافي.
السن يجب أن يكون فوق الـ ٢٤ عند طلب لم الشمل، وأن يكون الحد الأدنى لعمرهما عند الارتباط فوق 18 عاماً.
ألا يكون الزوج المستضيف حصل على أي مساعدات من الدولة في آخر ثلاث سنوات.
أن يكون الزوج المستضيف عمل لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات في السنوات الخمس الأخيرة.
أما الزوج المهاجر: يجب أن يكون قد زار الدنمارك مرة واحدة على الأقل، وأن يكون قد اجتاز اختباري لغة دنماركية، أو أن يجتاز متطلب الاندماج في المجتمع الدنماركي عبر خوض اختبار باللغة الدنماركية.
في العام 2018، استبدلت الحكومة الدنماركية "متطلب الارتباط" بالدنمارك بشرط الاندماج والانتماء، والذي ينص على أنه يجب على كلا الزوجين معاً الحصول على أربعٍ من أصل ستِ نقاطٍ بالمجموع من شروط الاندماج.
تنقسم هذه الشروط إلى ثلاث نقاط تتعلق بالزوج وثلاث تتعلق بالزوجة.
تشابه هذه النقاط الشروط السابقة المتعلقة بتاريخ العمل والتعليم واللغة والدراية بالبلد، ما عدا شرط العيش مسبقاً في الدنمارك 26 عاماً، حيث اعتبرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تمييزا على أساس العرق بشكل غير مباشر.
رفع المبلغ الذي يجب إيداعه لديها ليصل إلى نحو 15 أف يورو، 110 ألف كرونة دنماركية، توضع جانباً لتستعملها البلدية في الانفاق على الزوج المهاجر في حال احتاج لأي مساعدات من الدولة.
الشرط الثاني أن يكون مسكن الزوج المستضيف خارج المناطق المصنفة، غيتو.
هذان الشرطان اعتبرهما خبراء الهجرة شروطاً تعجيزيةً تستهدف الأزواج من الدول غير الغربية على وجه التحديد.
حتى العام 2018 كان يعفى مواطنو الولايات المتحدة وكندا وإسرائيل وأستراليا ونيوزيلاندا وكوريا الجنوبية وسويسرا واليابان من متطلب امتحان الاندماج والهجرة عند التقدم بمعاملة لم الشمل.
بعد تعديل الشروط عام 2018، ظل الإعفاء قائماً للأفراد القادمين من عدة دول غربية، غير أوروبية، عبر الاكتفاء بمعرفة اللغة الإنجليزية بمستوى B1. أما مواطنو الاتحاد الأوروبي فمعفيون من جميع الشروط السابقة على فرض أن انتماءهم للحضارة الأوروبية والثقافة الدنماركية أمرٌ مؤكد ومفروغ منه، وكل ما يطلب منهم هو "توثيق محل الإقامة الفعلي" ليتمكنوا من العيش في الدنمارك مع أزواجهم.
علاوة على ذلك، يترجم القانون الدنماركي بشكل تلقائي الزواج بين أبناء العمومة على أنه زواج بالإكراه إذا كان أحد الزوجين من خارج الاتحاد الأوروبي ما قد يحرمهم من إمكانية التقدم بطلب لم شمل، وهو أمر اعتبره باحثون استهدافاً للأزواج القادمين من دول إسلامية أو غير غربية حيث يعتبر زواج الأقارب أمراً مقبولاً بالمقارنة بالغرب.
قل لي أين تسكن.. أقل لك مَن أنت
إذا سكنت في كوبنهاغن في حي أكثر من نصف سكانه ينحدرون "من أصول غير غربية"، فلن تتمكن من لم شملك مع زوجك أو شريكك لمخالفة بند المسكن الملائم.
تلك الحارات في نظر الحكومة هي "غيتوهات" أو "مجتمعات موازية" تشكل خطراً على الاندماج وتجانس الهوية الوطنية الدنماركية. وتصنف الدنمارك أي شخص لا تنحدر عائلته من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو أندورا، أيسلندا، ليختنشتاين، موناكو، النرويج، سان مارينو، سويسرا، الفاتيكان، كندا، الولايات المتحدة، أستراليا ونيوزيلندا على أنهم من "أصول غير غربية"، حتى وإن كان ذلك الشخص مولوداً في الدنمارك وحاصلاً على جنسيتها وكان أبواه كذاك. يكفي أن يكون جده قد قدم للدنمارك من دولة "غير غربية".
منذ عام 2021، يمكن اعتبار أي مربع سكني يسكنه حوالي 1000 شخص "غيتو" أو منطقة سكنية معرضة للخطر، udsat boligområde، إذا انطبق عليه شرطين من أربعة شروط منتشرة على وجه الخصوص في أوساط الجاليات غير الغربية، تتعلق بمستوى الدخل ومستوى التعليم ونسبة البطالة ونسبة المدانين بمخالفات أو جرائم أو جنح. كما أن أي مربع سكني نحو 50% من سكانه من "أصول غير غربية" يعتبر "مجتمعاً موازياً"، parallelsamfund.
أحد شروط لم الشمل الرئيسية هي ألا يسكن المتقدم في منطقة تقع تحت أيٍ من هذين التصنيفين، ما يعقد الأمر كثيراً على الأزواج من أصول عربية.
"جسر الحب" أصبح اسم الجسر الواصل ما بين مملكتي الدنمارك والسويد.
باستطاعة الأزواج غير القادرين على تلبية شروط لم الشمل المعقدة في الدنمارك أن يحاولوا العيش معاً في السويد عبر قوانين الاتحاد الأوروبي الأقل تعقيداً. كل ما يلزم هو أن يقيم الزوج المستضيف في السويد بعنوان ثابت ومسكن ملائم، وأن يكون له دخل بمقدار معين يكفي متطلبات العيش له ولشريك حياته المهاجر.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة