صيادون وفرائس.. النمسا تتسلح ضد الذئاب

فلنبدأ من قصة ريناتي بيلز، وهي مزارعة نشيطة تبلغ من العمر 55 عاما، وتكاد الذئاب أن تجبرها على خوض مسار "شيفت كارير" أو تغيير مجال العمل، في هذه المرحلة من حياتها.

ما حدث هو أن مزرعة بيلز أو إسطبلها، الذي تحيط به الغابات في منطقة "أربسباخ" بشمال شرقي النمسا، تعرضت لأكثر من هجوم من قطعان الذئاب، التي توجد بكثافة في المنطقة، ما أدى لفقدانها نعجتين وحملين خلال العام الماضي.

تكرار الهجمات يدفع بيلز للتفكير في الكف عن اقتناء الأغنام تماما، إذ تقول إن تربيتها أصبحت تتطلب الكثير من العمل ولم تعد مربحة، كما أضافت المزارعة: "الأهم أنني لم أعد أرغب في هذا العمل على الإطلاق".

وشغلت هذه القضية خلال الصيف الصحف الشعبية وشبكات التواصل الاجتماعي في الدولة التي تضم أراضيها جزءا من جبال الألب.

غيرهارد فالنت، مزارع آخر تعرض قطيعه للهجوم، إلا أنه لم يستسلم كما تكاد بليز تفعل، بل أسس جمعية تدعو إلى "تنظيم أعداد الذئاب"، في كل منطقة "يقيم فيها البشر ويعملون"، حيث الطبيعة ليست برية بل تحفل بأنشطة الرعي.

ويعدد الرجل الستيني الأضرار الناجمة عن عودة الذئاب إلى المنطقة، من بينها فقدان الأراضي لقيمتها العقارية، وتحول الأبقار للعدوانية، بالإضافة إلى توقف مزارع عائلية كثيرة عن العمل، وإلغاء الرحلات المدرسية، وباتت الحافلة توصل التلاميذ إلى منازلهم طوال عام بعد وقوع حادث.

وقال فالنت: "نريد أن يتمكن أطفالنا من اللعب مجددا في الغابة" وأن "تظل المنطقة جاذبة للسياح".

فالنت أعطى أمثلة عن مناطق عدة في الجنوب والغرب، إذ أدى السماح بإطلاق النار على الذئاب منذ عام 2022 إلى الحد بشكل كبير من الهجمات.

وفي كارينثيا على وجه الخصوص، يسود اقتناع بأنه ما من حل آخر.

وأشار نائب حاكم المنطقة مارتن غروبر، إلى التمكن من "القضاء على 13 ذئبا"، لكنه رأى أن وضع بعض الحواجز "مستحيل" بسبب التضاريس الوعرة، واعتبر أن ذلك سيكون بمثابة "إهدار للمال العام".

من وجهة نظره، يرى غروبر أن إحصاء 20300 ذئب في الاتحاد الأوروبي العام الفائت يُظهر أن هذا النوع ليس مهددا، ما يدفعه للدعوة إلى خفض مستوى حماية الذئاب الذي "عفا عليه الزمن".

وفي خريف عام 2023، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أيضا إلى تعديل النظام في مواجهة "الخطر الحقيقي" الذي تشكله قطعان الذئاب.

إلا أن دعاة حماية الحياة البرية ينظرون إلى المسألة من زاوية مختلفة، وطعن عدد من الجمعيات في المراسيم التي تجيز إطلاق النار على الذئاب. وفي يوليو، اعتبر القضاء الأوروبي أنه ليس لدى النمسا ما يكفي من الذئاب لقتلها جماعيا، وينبغي عليها اتخاذ تدابير مناسبة.

وتشكل النمسا التي يبلغ عدد سكانها 9.1 مليون نسمة حالة خاصة في هذا المجال، إذ تقع في وسط أوروبا، وهي نقطة التقاء لثلاث مجموعات الذئاب كانت كل منها حتى الآن معزولة عن الأخرى، إحداها في جبال الألب والثانية من البلقان والثالثة من السهول الشرقية.

ويُسجل وجود للذئاب الآن في 23 من دول الاتحاد الأوروبي حيث تتمتع "بحماية صارمة" بموجب معاهدة بيرن، وتتفاوت المواقف من تكاثر أعداد هذه الحيوانات المنتمية إلى فصيلة الكلبيات، مع أنها كانت انقرضت في القرن التاسع عشر.

وبدأت عودة الذئاب تدريجيا إلى النمسا منذ عام 2009، ونظرا لأنها لا تواجه أي مقاومة، زاد عددها في السنوات الأخيرة من 80 ذئبا عام 2022 إلى 104 ذئاب هذه السنة.

ولاحظت مديرة مركز وولف للعلوم ماريان هيبرلين، أن هذه الذئاب "تمكنت من النجاة من الصيد الكثيف" قبل قرن أو أكثر، "وهي اليوم في طور الانتشار بفضل الحماية"، وبدأت بالالتقاء.

وفي هذا المركز التابع لجامعة الطب البيطري في فيينا والذي يوصف بأنه فريد من نوعه في العالم ويقع على بعد ساعتين من أربسباخ، يمتلك الباحثون 10 ذئاب و13 كلبا، يمكنهم مقارنتها لفهم عملية التدجين.

وأضافت العالمة أن المركز يسهم أيضا في "تعريف عامة الناس بالذئاب ولكن بطريقة محايدة، من دون تجميل صورة الحيوان أو إعطاء فكرة سيئة عنه".

وذكرت بأن "الخوف من الذئب يعود إلى زمن بعيد من التاريخ"، والاحتكاكات بين هذه الحيوانات وبين البشر كانت موجودة باستمرار، وشكلت مادة لـ"الحكايات" التي تُسرَد للأطفال.