الحرب التجارية.. هل تلجأ الدول الكبرى إلى التفاوض؟

أعلنت إندونيسيا، الأحد، أنها لن تتخذ إجراءات مضادة مباشرة ضد الرسوم الجمركية البالغة 32% التي فرضها ترامب على الصادرات الإندونيسية.

في مقابلة مع الصحافة، صرح وزير الاقتصاد الإندونيسي، أيرلانغا هارتارتو، بأن بلاده ستسعى لتوجيه المفاوضات الدبلوماسية لحل هذه المسألة. وبحسب الوزير، فإن الحكومة الإندونيسية ستبذل جهودًا لتحفيز التجارة مع دول أوروبا كبديل للولايات المتحدة والصين، خصوصًا في ظل الضغوط الناجمة عن هذه الرسوم.

وأضاف هارتارتو أن إندونيسيا ستستطلع موقف الشركات المحلية لمساعدتها في صياغة استراتيجيات للتعامل مع الوضع الجديد، مشيرًا إلى أن هناك خطة لإرسال وفد رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة للتفاوض بشكل مباشر.

تجدر الإشارة إلى أن إندونيسيا تعد واحدة من أكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا، وتعد الولايات المتحدة ثالث أكبر وجهة للصادرات الإندونيسية، حيث سجلت العام الماضي فائضًا تجاريًا مع أميركا بلغ 16.8 مليار دولار.

من جانبها، أعلنت تايوان أنها لن تفرض رسومًا تجارية مضادة على الولايات المتحدة، بل ستعمل على إزالة الحواجز التجارية التي كانت موجودة سابقًا بين البلدين.

الرئيس التايواني، لاي تشينغ-ته، أكد خلال اجتماع مع مسؤولي بلاده، ظهر الأحد، أن تايوان ستقوم بزيادة استثمارات الشركات التايوانية تدريجياً في الولايات المتحدة، مما يعكس رغبة تايوان في تعزيز العلاقة الاقتصادية مع واشنطن بدلاً من الدخول في صراع تجاري.

هذه الخطوة التايوانية تأتي في وقت حساس، حيث تحاول تايوان تعزيز مكانتها الاقتصادية في ظل التوترات المستمرة مع الصين. وتعتبر تايوان من أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا، وتستفيد من اتفاقيات تجارية طويلة الأمد مع واشنطن.

أما الهند، فقد اختارت المضي قدمًا في مسار المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة. رغم فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 26% على الواردات الهندية، فإن المسؤولين في الحكومة الهندية يعتقدون أنه من الأفضل الانخراط في محادثات مع إدارة ترامب بدلًا من التصعيد.

بحسب تصريحات مسؤول حكومي هندي، الأحد، فإنه في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية، تدرك الهند أهمية الحفاظ على علاقة تجارية جيدة مع الولايات المتحدة، لذلك تسعى للتوصل إلى اتفاق تجاري شامل مع واشنطن بحلول خريف 2025.

ومن المتوقع أن تشهد المحادثات بين البلدين بعض المرونة، حيث أشار المسؤولون الهنديون إلى أنهم منفتحون على خفض الرسوم الجمركية على واردات أميركية بقيمة 23 مليار دولار.

بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة الهندية باتخاذ عدة خطوات لكسب تأييد إدارة ترامب، منها خفض الرسوم على الدراجات الهوائية الفاخرة وإلغاء ضريبة على الخدمات الرقمية التي أثرت سلبًا على شركات تكنولوجيا أميركية كبرى.

في الوقت الذي تتجه فيه دول جنوب شرق آسيا إلى المفاوضات الدبلوماسية، تكثف الصين من خطواتها التصعيدية ردًا على الإجراءات التجارية الأميركية.

وفقًا لتقرير صحيفة وول ستريت جورنال، فرضت الصين قيودًا على صادرات بعض المعادن الأرضية النادرة التي تعد حيوية لصناعات التكنولوجيا والالكترونيات، وأدرجت العديد من الشركات الأميركية في قوائم سوداء، كما فتحت تحقيقات ضد فرع شركة "DuPont" الأميركية في الصين.

المصادر المطلعة على الأوضاع الصينية أشارت إلى أن بكين تعيش حالة من "الصدمة" داخل أروقة صنع القرار. هذه الحالة تتفاقم بسبب صعوبة التواصل مع إدارة ترامب، حيث لم تتمكن الصين من فتح قنوات اتصال فعّالة مع المسؤولين الأميركيين.

وقد حاول وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اللقاء مع مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، دون جدوى، كما فشلت رسائل رسمية في فتح حوار مع وزيري التجارة والممثل التجاري الأميركي.

وفي ظل هذه التوترات، تشير تقديرات الخبراء إلى أن الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة قد تنخفض بأكثر من النصف، في وقت تواجه فيه الصين ضغوطًا كبيرة من أوروبا وآسيا نتيجة لتخمة السلع الصينية. ووفقًا لتحليلات السوق، فإن الصين تجد نفسها في موقف دفاعي، حيث تتوقع فقدان السيطرة على بعض الأصول الاستراتيجية مثل تيك توك بعد أن فقدت بالفعل نفوذها في قناة بنما.

من جهة أخرى، صرح مدير المجلس الاقتصادي القومي الأميركي، كيفن هاسيت، بأن أكثر من 50 دولة تواصلت مع البيت الأبيض لبدء مفاوضات تجارية، وهو ما يعكس تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.

وفي سياق متصل، نفى هاسيت في تصريحات صحافية الأحد، أن تكون الرسوم الجمركية وسيلة غير مباشرة للضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة، حيث أكد أن الرئيس الأميركي لا يرى في تراجع سوق الأسهم مؤشراً على حدوث ركود اقتصادي وشيك.

ورغم تزايد الانتقادات المحلية والدولية، يستمر البيت الأبيض في تبني سياسة "الضغط الأقصى" التي تشمل فرض الرسوم الجمركية على الدول التي تتهمها الولايات المتحدة بالانتهاك التجاري أو عدم التوازن في الاتفاقيات التجارية.