من المتوقع أن تؤدي الحرب التجارية التي أطلقتها الولايات المتحدة إلى اضطرابات جديدة في أسعار طائرات بوينغ وإيرباص، بعدما سجّلت ارتفاعا جراء التضخّم وجائحة كوفيد-19.
مقارنة بالعام 2018، ارتفعت الأسعار في هذا القطاع بنحو 30%، حسب ما أكد خبير صناعي لوكالة فرانس برس رافضا الكشف عن هويته.
وبالفعل رفضت الصين تسلّم طائرات جديدة من "بوينغ" بعدما فرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رسوما جمركية بنسبة 145% على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، وفق ما أفاد المدير التنفيذي للشركة كيلي أورتبرغ، الأربعاء.
وقال أورتبرغ لشبكة "سي إن بي سي" بعد أيّام من صدور تقارير تفيد بأن بكين أمرت شركات الطيران الصينية بالتوقف عن تسلّم طائرات من صنع "بوينغ"، إن الصين "توقفت عن تلقي الطلبيات بسبب التعرفات الجمركية".
وكشف مديرها التنفيذي "لدينا 3 طائرات في الصين كانت جاهزة للتسليم، وأظنّ أن اثنتين منها عادتا (إلى الولايات المتحدة)، فيما الثالثة في طريقها إلى العودة"، مشيرا إلى أن "بوينغ" كانت تنوي تسليم الصين هذه السنة "نحو خمسين" طائرة.
وواجهت شركتا صناعة الطائرات العملاقتان زيادات متعدّدة في الأسعار، تمثّلت في ارتفاع سعر المواد الخام (وخاصة التيتانيوم) واليد العاملة والمكوّنات والطاقة، والعمليات الصناعية (وخاصة في صناعة الصلب).
وينصّ اتفاق اجتماعي في شركة بوينغ أبرم في أواخر العام 2024، على زيادة الأجور بنسبة 38% على مدى أربع سنوات لأكثر من 33 ألف موظف لديها.
وأكثر ما ينذر بارتفاع أسعار الطائرات حقيقة أن ترامب فرض رسوما جمركية بنسبة 25% على الصلب والألومينيوم.
وبناء على الحسابات التي أعدّتها فرانس برس بالاعتماد على جداول الأسعار التي كشفتها "آنا"، فإنّ سعر طائرة بوينغ من طراز 787-9 دريملاينر يصل إلى نحو 386 مليون دولار، بينما يصل سعر طائرة إيرباص من طراز 737 ماكس 8 إلى نحو 159 مليون دولار، مقارنة بـ292 مليون دولار و121.6 مليون دولار على التوالي في العام 2023.
ويبلغ سعر طائرة إيرباص من طراز 321 نيو نحو 148 مليون دولار، مقابل 129.5 دولار في العام 2018.
اعرف أكثر
يقول الخبير في مجال الطيران ريتشارد أبو العافية إنّ "صناعة صبّ وتشكيل التيتانيوم شهدت معدّل تضخّم متسارعا، خاصة منذ اختفاء الإمدادات الروسية في هذا المجال بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبدرجة أقل بالنسبة إلى أوروبا" بسبب الحرب في أوكرانيا.
ويشير إلى أنّ أسعار المواد والمعدّات قفزت بنسبة تصل إلى 40% منذ العام 2021.
يضيف أبو العافية أنّ "المواد الأولية لم تكن مشكلة في الأصل، لكن دونالد ترامب مصمّم على جعلها مشكلة"، في إشارة إلى الرسوم الجمركية بنسبة 25% التي فرضها الرئيس الأميركي على الصلب والألومينيوم، وهما مكوّنان أساسيان في صناعة الطيران.
ويقول رئيس تحرير مجلّة "إيركرافت فاليو نيوز" جون بيرسينوس إنّ "التضخّم في قطاع الطيران يتسارع ومن المؤكد أنّه سيزداد سوءا في ظل فرض الرسوم الجمركية الكارثية".
ويوضح أنّ الطائرات من الجيل الجديد، مثل طائرات بوينغ من طرازي 787 دريملاينر و737 ماكس، وطائرات إيرباص من طراز 321 نيو، عليها طلب مرتفع لأنّها أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وقد شهدت أسعارها "زيادة ملحوظة".
صار متعذّرا الاطلاع على جداول التقليدية للأسعار، خاصة أنّ شركة إيرباص لم تنشرها منذ العام 2018 بينما توقفت شركة إيرباص عن نشرها منذ العام 2023.
ويقول أبو العافية ساخرا "كانت الأسعار الواردة في الجداول خادعة"، موضحا "كان من الممكن الحصول على خصم بنسبة 50%، فقط لمجرد الحضور إلى اجتماع بملابس أنيقة".
من جانبها، تقول إيرباص "تخلّينا عن فكرة جداول الأسعار منذ أمد. لم يكن لها معنى لأنّها كانت منفصلة تماما عن واقع الأسعار (النهائية)، المرتبطة بخصائص كلّ عقد أو إصدار أو عملية تصنيع".
غير أنّ الخبير الصناعي الذي رفض الكشف عن هويته، يقول إنّ الشركات المصنّعة لديها سعر أساسي داخليا، يتمّ تطبيق "مزايا الشراء" عليه بعد ذلك، وهو ما ينعكس عبر خفض "كبير نسبيا" في السعر أحيانا، أو في كثير من الأحيان، في خيارات أو خدمات إضافية (صيانة، تدريب، وغيرها).
كذلك، تتضمّن العقود بندا ينص على إجراء تعديلات سنوية على الأسعار لتعكس التضخّم الفعلي في التكلفة، إلى أن يتمّ تسليم الطائرة بعد سنوات، كما يمكن تعديل الأسعار إذا تأخرت عمليات التسليم.
وبما أنّ المدفوعات غالبا ما تتمّ بالدولار، فمن الممكن أن تكون هناك بدلات لتقلّبات أسعار الصرف، فيما تعتمد شركة إيرباص أيضا على سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأميركي.
وتوضح بوينغ لفرانس برس أنّها تقيّم أسعار الطائرات في ضوء تكاليف الإنتاج وغيرها من عوامل السوق الأخرى، لكنها رفضت تقديم المزيد من التفاصيل نظرا إلى أنّ هذا الأمر يشكّل عنصرا تنافسيا حساسا.
تبدو دفاتر الطلبات لدى الشركتين العملاقتين ممتلئة حتى نهاية العقد الحالي، ولكنّهما لا تستغلانها في الوقت الحالي لرفع الأسعار.
ويقول الخبير الصناعي إنّ السوق "تظل تنافسية للغاية"، مضيفا أنّ الثنائي "يتنافس على كلّ صفقة وهذا يؤثر على الأسعار".
وتاليا، يتزايد عدد الشركات التي تشتري من كلا الشركتين، لتقليل الاعتماد على إحداهما.
ويشير مانفرد هايدر من مكتب رولاند بيرغر للاستشارات الاستراتيجية، إلى أنّه "قبل جائحة كوفيد، انخرطت شركتا بوينغ وإيرباص في معارك أسعار، وكانت هذه الأخيرة لا تزال منخفضة إن تكن منخفضة للغاية".
ويوضح أنّ ارتفاع أسعار الطائرات أدّى إلى "زيادة عامّة في أسعار التذاكر"، مضيفا أنّ "من ناحية شركات الطيران، فإنّ الربحية جيّدة".
وللاطلاع على أسعار الطائرات، يكفي في الوقت الحالي الاعتماد على شفافية بعض شركات الطيران.
وفي هذا الإطار، قدّمت مجموعة "آنا" اليابانية في نهاية فبراير طلبا تاريخيا لشراء 77 طائرة من شركات بوينغ وإيرباص وإمبراير البرازيلية.