اتفاق الصين وأميركا... هل تنخفض أسعار السلع أم ترتفع؟
في مدينة جنيف السويسرية، توصّلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية بنسب ثلاثية الأرقام، في خطوة وُصفت بأنها تمثل "إعادة ضبط شاملة" للعلاقات التجارية بين البلدين، وفقاً لما أوردته صحيفة
بوليتيكو.
وجاء هذا الاتفاق في وقت يتصاعد فيه القلق بشأن احتمالات دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، حيث يعاني قطاع التصنيع من تراجع ملحوظ في الطلبات وتقليص للعمالة، كما حذرت الموانئ الأميركية من انخفاض حاد في حجم الشحنات، بينما قدّر عدد من خبراء الاقتصاد وجود فرصة كبيرة لحدوث ركود اقتصادي واسع.
وبموجب
الاتفاق، تراجعت الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب مؤقتاً من 145% إلى حوالي 30%، رغم أن أغلب السلع الصينية ستظل خاضعة لرسوم تتراوح بين 40% و60% بسبب الرسوم الإضافية التي فرضها الرئيس الأميركي خلال هذا العام وولايته الأولى.
ويرى ستيفن كامين، المسؤول السابق في مجلس الاحتياطي الفيدرالي والزميل الحالي في معهد أميركان إنتربرايز، أن هذا الخفض "يحوّل الكثير من الواردات الصينية من كونها باهظة التكلفة بشكل يمنع استيرادها إلى مجرد كونها مرتفعة السعر نسبياً"، وهو ما يُتوقع أن يؤدي إلى انتعاش جزئي في حركة التجارة بين البلدين.
فإلى ماذا أفضى اتفاق خفض الرسوم؟ وهل يؤدي إلى خفض أسعار السلع؟
توصلت الولايات المتحدة والصين في اجتماع مشترك في جنيف إلى اتفاق على خفض الرسوم الجمركية المتبادلة من 125% إلى 10% لمدة 90 يومًا، وذلك اعتبارًا من 14 مايو 2025.
ويشير موقع
China Briefing أن الصين وافقت على تعليق أو إزالة جميع التدابير غير الجمركية التي اتخذتها ضد الولايات المتحدة منذ بداية أزمة الرسوم الجمركية في 2 أبريل 2025. ويشمل الاتفاق أيضًا إنشاء آلية لاستمرار المناقشات الثنائية حول العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
ما الذي لم يتم الاتفاق عليه؟
لم يتناول البيان المشترك الرسوم الإضافية التي فرضتها إدارة ترامب بنسبة 20% على الواردات الصينية في فبراير ومارس 2025، والتي أُطلق عليها اسم "رسوم الفنتانيل"، ما يعني أنها لا تزال سارية.
كما لم تتفق الصين على إلغاء الرسوم الانتقامية التي فرضتها على واردات أميركية محددة تشمل الفحم والغاز الطبيعي المسال (15%)، النفط الخام والآلات الزراعية والسيارات الكبيرة (10%)، الدواجن والقمح والذرة والقطن (15%)، وفول الصويا ولحوم الخنزير ولحوم الأبقار والمنتجات السمكية والفواكه والخضروات ومنتجات الألبان (10٪).
إضافة إلى ذلك، لم يشمل الاتفاق رفع القيود الأميركية السابقة على استثمارات الشركات الصينية أو إزالة الشركات الصينية من قائمة الكيانات المحظورة. كذلك لم يعالج الاتفاق الرسوم المفروضة على السفن الصينية التي ترسو في الموانئ الأميركية، ولم يتم التطرق إلى إعادة العمل بإعفاءات الحد الأدنى للشحنات الصغيرة.
بحسب تقرير نشرته صحيفة
واشنطن بوست، فإن خفض الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية من 145% إلى ما بين 30% و60% قد أدى إلى انفراج مؤقت في السوق، مع توقعات بزيادة توفر المنتجات على الرفوف نتيجة استئناف الشحنات التي كانت متوقفة.
ومع ذلك، حذر التقرير من أن هذا التراجع لن يؤدي بالضرورة إلى انخفاض ملموس في الأسعار للمستهلكين، بل على العكس، بدأت بعض الأسعار بالارتفاع مع تمرير الشركات للزيادات في التكاليف إلى العملاء.
وأوضح جاي فورمان، الرئيس التنفيذي لشركة Basic Fun، أن خفض الرسوم الجمركية يبدو جيداً على الورق، لكنه لا يمنع الأثر السلبي على الأسعار، قائلاً: "الجميع سيتحمّل جزءاً من العبء. على سبيل المثال، شاحنة Tonka التي كانت تُباع مقابل 30 دولاراً ستُباع الآن مقابل 35 دولاراً".
وتشير تقديرات
Budget Lab في جامعة ييل إلى أن معدل الرسوم الجمركية الفعلي على جميع الواردات لا يزال عند أعلى مستوى له منذ عام 1934، حيث بلغ 17.8% بعد أن كان 28% في الأسبوع السابق. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الأحذية بنسبة 15%، والملابس بنسبة 14%، والسيارات بنسبة 9٪.
كيف ضغطت الصين على الولايات المتحدة ؟
بحسب تصريح لمسؤول سابق في إدارة ترامب، نقلته صحيفة
بوليتيكو، فإن اجتماع المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين جاء نتيجة ضغوط كبيرة تعرض لها البيت الأبيض من مختلف القطاعات الصناعية الأميركية، وعلى وجه الخصوص شركات صناعة السيارات وقطاع الدفاع، اللذين أعربا عن قلقهما البالغ من صعوبة الحصول على المعادن الأرضية النادرة من الصين، وهو ما كان سيؤثر بشدة على استمرارية الإنتاج.
وأكد المسؤول أن القيود التي فرضتها الصين على تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة أثبتت فعاليتها، حيث سببت اضطرابات كافية في سلاسل الإمداد الأميركية، ما اضطر الحكومة الأميركية إلى التفاوض مع الجانب الصيني لإيجاد حل لهذه الأزمة التي هددت قطاعات صناعية حيوية، بما فيها الأمن القومي.
وقال المسؤول: "لم تكن سلاسل التوريد لدينا مستعدة لمثل هذا التعطيل، لذلك سعى البيت الأبيض لعقد اجتماع مع الحكومة الصينية لحل هذه الأزمة لصالح الصناعات الأميركية".