موديرنا.. من "بطلة الجائحة" إلى "ضحية اللقاحات"
بعد أن كانت رمزا عالميا في مكافحة جائحة كوفيد-19، تجد شركة "موديرنا" نفسها اليوم في موقف دفاعي، وسط تراجع ثقة الجهات التنظيمية، وانخفاض الطلب على لقاحاتها، وضغوط سياسية متزايدة من إدارة ترامب الثانية.
تحول مفاجئ في المناخ السياسي
وكانت إدارة ترامب الأولى قد قدمت دعما واسعا لشركة موديرنا، ضمن عملية "وارب سبيد" لتسريع تطوير لقاحات كوفيد-19. لكن الوضع تغير جذريا مع عودة ترامب إلى السلطة. فبدلا من الدعم، باتت صناعة اللقاحات، خاصة تلك المبنية على تكنولوجيا mRNA، تحت مجهر الانتقاد والتشكيك، بحسب
تقرير لصحيفة وول سريت جورنال.
ويعكس هذا التحول في الموقف الحكومي قرارات حديثة، من أبرزها سحب وزارة الصحة الأميركية عقدًا بقيمة 766 مليون دولار لتطوير لقاحات mRNA ضد الإنفلونزا الوبائية، على رأسها إنفلونزا الطيور.
وعلّلت الوزارة قرارها بأنه "علميا وأخلاقيا غير مبرر"، مشيرة إلى أن التقنية "ما تزال غير مختبرة بالشكل الكافي".
قيود تنظيمية جديدة تربك الشركة
في خطوة أخرى زادت الضغوط على موديرنا، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) مؤخرًا على الجيل الجديد من لقاح كوفيد-19 من إنتاج الشركة، لكن حصرت استخدامه في كبار السن والأشخاص المعرضين لمخاطر صحية، متجاهلة طلب الشركة بتوسيع الفئة المستهدفة.
كما قامت موديرنا بسحب طلبها للموافقة على لقاح مشترك للإنفلونزا وكوفيد، بعد أن طلبت الـFDA بيانات إضافية حول فعالية مكون الإنفلونزا، في ظل قواعد أكثر صرامة فرضتها الإدارة الجديدة لاعتماد لقاحات كورونا، تتطلب تجارب سريرية عشوائية للأطفال وبعض البالغين.
النتائج المالية تعكس الأزمة
وتراجعت قيمة سهم موديرنا بنسبة 35% منذ بداية عام 2025، في ظل تراجع الطلب على لقاح كوفيد، ومبيعات ضعيفة للقاح فيروس RSV، مقارنة بمنافسيها مثل فايزر وGSK. وانخفض سعر السهم إلى نحو 25 دولارا، بعد أن كان قد بلغ ذروته عند 484 دولارا في عام 2021.
الشركة، التي كانت قد حققت إيرادات تجاوزت 20 مليار دولار خلال ذروة الجائحة، باتت اليوم تسعى لتقليص التكاليف وخفض الخسائر.
وأعلنت خفضًا بنسبة 20% في ميزانية البحث والتطوير، إلى جانب تسريح موظفين، وخطة جديدة لخفض التكاليف بمليار دولار إضافي خلال العام.
الرهان الكامل على تقنية mRNA خلال الجائحة منح موديرنا مكانة عالمية، لكن غياب التنوع في محفظة منتجاتها جعلها اليوم رهينة تقنية واحدة. ورغم دخولها في أبحاث على لقاحات لأمراض مثل السرطان والهربس ولايم، إلا أن هذه المشاريع ما زالت في مراحلها المبكرة، وبعضها يواجه عقبات تنظيمية أو نتائج مخيبة في التجارب.
وفي ظل عدم وجود مصادر دخل كافية، يُتوقع أن تحتاج الشركة إلى جمع تمويل إضافي أو اللجوء إلى الديون.
وقدّر محللون أن السيولة المتوفرة لدى موديرنا قد تنفد خلال 18 شهرا، رغم إعلان الشركة أنها ستنهي العام بـ6 مليارات دولار نقدا وتسعى لتحقيق التوازن المالي بحلول عام 2028.
في تصريحات له خلال مؤتمر استثماري في مايو الماضي، حاول المدير التنفيذي ستيفان بانسل طمأنة المستثمرين، مؤكدًا أن الإدارة الأميركية الجديدة تركز على تلقيح الفئات الأكثر عرضة للخطر، واصفا هذا التوجه بأنه "إيجابي" من الناحية السوقية.
وأضاف: "هدفنا مشترك، لا نريد طرح منتج غير آمن أو غير فعّال في السوق". لكن محللين اعتبروا أن هذا الموقف يعكس إدراك الشركة لحجم التحديات التي تواجهها في إقناع الجهات التنظيمية والجمهور بسلامة منتجاتها.
مستقبل موديرنا اليوم مرتبط بمتغيرات عدة: مدى إقبال الناس على الجيل الجديد من لقاح كوفيد، مدى نجاح لقاح RSV، ونتائج الأبحاث الجارية على منتجاتها الأخرى. ومن المقرر أن تصدر FDA قرارها بشأن توسيع استخدام لقاح RSV في يونيو الجاري.
وفي خضم كلّ ذلك، تبدو موديرنا كمن "بنى دبابة للحرب، لكن الحرب انتهت"، بحسب تعبير المحلل المالي، جاريد هولز.
وفي غياب معركة جديدة، باتت الشركة تبحث عن سبب لوجودها، وسلاح لمواجهة معركة جديدة: البقاء