الصين تستهلك بشروطها.. لماذا على ترامب أن يقلق؟
في تيانجين، وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف بـ"دافوس الصيفي"، قال رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، إن بلاده تعمل على تحويل اقتصادها إلى "قوة استهلاكية ضخمة"، تضاف إلى قاعدتها الصناعية الراسخة.
أكّد لي في جلسة الافتتاح أن العولمة "لن تتراجع"، وداعيًا إلى تجنّب تسييس التجارة.
وشدّد على ضرورة إعادة تشكيل القواعد الاقتصادية العالمية، لا عبر الهيمنة، بل عبر التعاون وتعددية النظام، على حد تعبيره.
في خضم هذا التحوّل، تُطرح تساؤلات عميقة: ما الذي تغيّر؟ وهل تتجه الصين فعلًا لتصبح السوق الأكثر تأثيرًا في العالم؟ وما الذي يجب أن يقلق منه خصومها، وعلى رأسهم واشنطن؟
أعلنت بكين أنها لم تعد تكتفي بدور "مصنع العالم"، بل تسعى لتقليل اعتمادها على التصدير وتحفيز الطلب المحلي، بحسب ما صرّح به رئيس الوزراء لي تشيانغ خلال كلمته في "دافوس الصيفي".
وقال إن الحكومة تعتزم تنفيذ إجراءات لتحويل الصين إلى "قوة استهلاكية ضخمة"، ما سيخلق أسواقًا واسعة للشركات العالمية.
وأضاف لي أن الصين، رغم التوترات التجارية والرسوم الجمركية، ستواصل "عبور الدورات الاقتصادية" بثبات، لتضخ مزيدًا من الاستقرار في النظام العالمي، حسب بلومبرغ.
واعتبرت لويز لو، من "أوكسفورد إيكونوميكس"، أن الزخم الداخلي في الصين قوي بما يكفي لتعويض بعض التحديات، مضيفة أن فصل الصين عن سلاسل الإمداد العالمية "صعب فعليًا على المدى القصير، وفق سي إن بي سي.
ضمن سعيها لتحفيز الاستهلاك، أعلنت السلطات الصينية عن تخصيص 138 مليار يوان إضافية (نحو 19.2 مليار دولار) لدعم برنامج استبدال الأجهزة المنزلية، بعد نفاد التمويل الأولي بسرعة في مختلف المقاطعات، حسب بلومبرغ.
كما أصدرت ست جهات حكومية، من بينها البنك المركزي ووزارة المالية، وفق رويترز، توجيهات جديدة لدعم الاستهلاك المحلي، تضمنت تمكين الشركات من جمع التمويل عبر البورصة، وتشجيع البنوك على تقديم خدمات أكثر مرونة وابتكارًا في منتجات الائتمان.
وتشمل الإجراءات، حسب الوكالة، استخدام أدوات السياسة النقدية مثل إعادة الإقراض والخصم، وتحفيز التمويل الموجّه للقطاعات الخدمية كالإقامة والتعليم ورعاية المسنين.
في وقت تتراجع الثقة العالمية بالدولار الأميركي، كثّفت الصين جهودها لتدويل عملتها الوطنية، اليوان، كجزء من استراتيجية أوسع لتقليص الاعتماد على "عملة سيادية واحدة"، بحسب ما أعلنه محافظ البنك المركزي الصيني بان غونغشنغ خلال منتدى لوجياتسوي.
وأعلنت ثلاث بورصات صينية كبرى السماح للمستثمرين الأجانب بتداول مزيد من العقود الآجلة والخيارات المقوّمة باليوان، وأوردت سي إن بي سي، أنه تمّ إلغاء رسوم فتح الحسابات المحلية للمؤسسات المالية الدولية، وتوسيع نطاق استخدام اليوان في تسويات السلع العالمية مثل الرصاص والمطاط والقصدير.
وتزامنت هذه الخطوات مع ازدياد استخدام اليوان في تسويات التجارة العابرة للحدود، لا سيما بين شركات الطاقة والسلع.
الاستهلاك في الصين.. أين العقبة؟
رغم الخطط الطموحة، لا يزال الاقتصاد الصيني يواجه تحديات تتعلق بثقة المستهلكين.
فقد أشار الخبير الاقتصادي إيسوار براساد من جامعة كورنيل إلى أن معدلات الادخار المرتفعة في الصين تعكس غياب شبكة أمان اجتماعي قوية، ما يدفع السكان للادخار بدل الإنفاق، حسب World Economic Forum.
وخلال "دافوس الصيفي"، أوضح براساد أن الصين، التي تبني مصانع جديدة وتنتج سيارات كهربائية بوتيرة متسارعة، لم تشهد بعد طلبًا استهلاكيًا يوازي هذا الإنتاج، مشيرًا إلى أن "الطلب لا يواكب العرض".
وفي مقارنة مع الولايات المتحدة، حيث يشكّل الإنفاق الاستهلاكي نحو 70% من الناتج المحلي، اعتبر باحثون أن النموذج الصيني لا يزال في طور التشكّل، وهو مسار طويل يتطلّب توازنًا بين التصنيع والاستهلاك، دون الوقوع في فخ التبعية أو الانغلاق.