"U Turn" أميركية جديدة في أوكرانيا
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال لقائه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روتّه في البيت الأبيض، عن خطة جديدة تهدف إلى تحويل عبء دعم أوكرانيا من واشنطن إلى العواصم الأوروبية، عبر برنامج تسليح ضخم تموله دول الناتو.
ووفقًا لوكالة أسوشيتد برس، تهدف الخطة إلى تسريع تسليم الشحنات الأولية من أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، مثل بطاريات صواريخ "باتريوت"، إلى كييف، وذلك عبر سحبها من مخزونات الأسلحة الحالية، على أن تُعاد تعبئة هذه المخزونات خلال السنوات المقبلة.
وتشمل الدول المشاركة في عملية الشراء كلًّا من ألمانيا وكندا وبريطانيا وفنلندا والسويد والنرويج والدنمارك، حيث أكد روتّه أن "السرعة هي العامل الحاسم في هذه المرحلة".
ومع تصاعد الهجمات الروسية، وجه ترامب تحذيراً مباشراً إلى موسكو بوقف الحرب خلال 50 يوماً أو مواجهة موجة من العقوبات والتعريفات الجمركية التي قد تصل إلى 100% على روسيا وشركائها التجاريين، ما أثار مخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية المحتملة، ليس فقط على خصوم الولايات المتحدة، بل على الأميركيين أنفسهم.
تسليح أوكرانيا بأموال أوروبية
خلال لقائه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روتّه في البيت الأبيض، كشف ترامب عن خطة تنص على قيام الحلفاء الأوروبيين بشراء أسلحة أميركية متطورة.
وقال ترامب في تصريح حاسم: "سيقومون بتسليم الأسلحة وبدفع تكلفتها بنسبة 100%"، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تعكس تحولًا جذريًا في مقاربة واشنطن تجاه دعم كييف.
وأوضح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستريوس أن بلاده "مستعدة لتحمّل مسؤولية أكبر في حماية أوروبا"، في إشارة إلى تصاعد الإنفاق الدفاعي الأوروبي بعد سنوات من التراخي.
بينما كان ترامب ينتقد أوروبا على ضعف إنفاقها الدفاعي وتحميل الولايات المتحدة العبء الأكبر، قائلا: "هذه ليست حرب ترامب. نحن هنا لإنهائها، لا لقيادتها"، عاد مؤخرا بمواقف تشيد بتجاوب الأوروبيين قائلاً: "أوروبا اليوم تملك روحًا حقيقية في هذه الحرب."
في تحذير صارم، لوّح ترامب بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100% على روسيا ودول حليفة لها مثل الصين والهند، في حال لم تتوصل موسكو إلى اتفاق سلام في غضون 50 يومًا.
وأطلق ترامب على هذه الإجراءات اسم "التعريفات الثانوية"، والتي فسرها وزير التجارة الأميركي هاورد لوتنيك بأنها قد تشمل عقوبات اقتصادية شاملة تمسّ واردات الطاقة والمعادن الحيوية، وتستهدف بالدرجة الأولى الصين والهند، اللتين تلعبان دوراً حاسماً في دعم الاقتصاد الروسي بشراء النفط والغاز، وفقا
لشبكة سي بي سي نيوز.
العقوبات قد ترتد على الأميركيين
لكن هذه التهديدات، بحسب ما نقلته صحيفة
نيويورك تايمز عن خبراء، قد ترتد سلبًا على الداخل الأميركي نفسه. فالصين، التي تمثل ثاني أكبر اقتصاد عالمي، قد ترد بفرض تعريفات مضادة، كما فعلت سابقًا، ما قد يؤدي إلى رفع أسعار السلع، وتأجيج التضخم، وتباطؤ النمو الأميركي.
ويؤكد موقع
Republican Statecraft أن محاولة الضغط على روسيا عبر فرض تعريفات جمركية على شركائها التجاريين الرئيسيين، مثل الصين، لن تنجح، بل قد تأتي بنتائج عكسية، مثل فرض الصين لعقوبات مماثلة كما فعلت سابقًا هذا العام.
ورغم أن التضخم لم يرتفع بشكل حاد بعد، يتوقع اقتصاديون أميركيون أن ترتفع الأسعار خلال الصيف، خصوصًا مع تباطؤ النمو الاقتصادي بحسب توقعات منظمة التعاون والتنمية. وقد وصلت التعريفات الأميركية على الصين إلى متوسط 51%، وبلغ المعدل الفعلي للتعريفات على مستوى العالم نحو 14.1%، حسب ما جاء في بيانات نشرها
معهد بيتيرسون للاقتصاد الدولي.
يُذكر أنه منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022، حذرت تولسي غابارد، التي تشغل الآن منصب مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، من أن العقوبات "لا تنجح، بل تزيد معاناة الأميركيين"، متهمة إدارة بايدن بالتركيز على معاقبة بوتين دون مراعاة مصالح الشعب الأميركي.
يدرك ترامب أيضًا أن انخفاض صادرات الطاقة الروسية بشكل حاد سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، مما سيؤثر سلبًا على المستهلكين الأميركيين عند محطات الوقود، ويهز الأسواق، ويحفز التضخم العام، وفقا لنيويورك تايمز.
وكان ترامب قد عبّر صراحة في قمة مجموعة السبع الأخيرة عن قلقه من أن "العقوبات تكلفنا الكثير من المال"، منتقدًا السياسات السابقة التي، بحسب وصفه، "لم تأخذ في الحسبان مصلحة المواطن الأميركي".
وبحسب تحليل اقتصادي نشرته وكالة
بلومبرغ، فإن محاولة ترامب معاقبة حلفاء روسيا التجاريين قد تؤدي إلى أضرار اقتصادية مباشرة للولايات المتحدة، خصوصًا أن روسيا تواصل بيع الطاقة بأسعار منخفضة لدول مثل الصين والهند، ما يصعب مقاطعتها دون تأثيرات عكسية.
كما شكك مسؤولون في البنتاغون من جدوى فرض رسوم جمركية بهذا الحجم، محذرين من أن هذه العقوبات قد تفتقر إلى التأثير المطلوب، لا سيما أن الولايات المتحدة تستورد من روسيا بضائع بقيمة لا تتجاوز 3 مليارات دولار سنويًا، معظمها من المواد الضرورية مثل الأسمدة، الحديد واليورانيوم.
بوتين لا يبالي بالعقوبات أو التهديدات
رغم كل التهديدات، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يشعر بضغط حقيقي لتغيير مسار الحرب. تقول المستشارة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية إيما كافاناه لصحيفة نيويورك تايمز إن بوتين "يرى، وعن حق على ما يبدو، أن لديه تفوقًا ميدانيًا، وأن الغرب غير قادر على فرض كلفة حقيقية عليه".
وأضافت أن ترامب قد يراهن على انتهاء الهجوم الصيفي الروسي بحلول الخريف لفتح نافذة للمفاوضات، لكن ليس هناك ما يضمن تجاوب الكرملين.
ويرى محللون أن بوتين مستعد لتحمل مزيد من العقوبات، خاصة أن الاقتصاد الروسي تمكن من الصمود حتى الآن عبر التحول إلى أسواق بديلة وتوسيع الشراكات مع الشرق.
وبحسب إدوارد فيشمان، الخبير في سياسة العقوبات، فإن "محاولة الضغط على روسيا عبر فرض تعريفات على شركائها التجاريين لن تنجح، بل قد ترتد سلبًا على الولايات المتحدة".