مهلتان وتراجعات.. ترامب "صانع الصفقات" يتعثر تجاريا
سعى دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض لتحقيق طموحه المزمن بإعادة ترتيب التجارة الأميركية مع العالم، غير أن النتيجة حتى الآن كانت نشر الفوضى والضبابية.
بدأ قطب العقارات الذي بنى سمعته في الأعمال كما في السياسة على صورته كـ"صانع صفقات" بارع، بتطبيق استراتيجية متشددة تقوم على فرض رسوم جمركية عقابية توقعت إدارته أن تؤدي إلى انتزاع "تسعين صفقة في تسعين يوما".
غير أن كل ما حققه إلى الآن هو اتفاقان، بالإضافة إلى خفض التصعيد في الحرب التجارية مع الصين من خلال اتفاق مؤقت.
وحدد ترامب بالأساس لعشرات الشركاء والخصوم التجاريين على السواء وبينهم الاتحاد الأوروبي والهند واليابان، مهلة تسعين يوما حتى التاسع من يوليو للتوصل إلى اتفاق قبل دخول الرسوم الجمركية المشددة حيز التنفيذ.
لكن قبل أيام من ذلك الاستحقاق، مدد ترامب المهلة حتى الأول من أغسطس.
وكان ذلك ثاني تمديد منذ أن أعلن عن الرسوم الإضافية في أبريل، ما أعاد طرح "نظرية تاكو"، وهي مفردة لقيت انتشارا في أوساط أسواق الأسهم الأميركية خلال الآونة الأخيرة، تختصر بالأحرف الأولى عبارة "ترامب دائما يتراجع".
تشير "نظرية تاكو" التي أطلقتها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الى أن الرئيس الجمهوري غالبا ما يتراجع عن السياسات التي يقرّها بنفسه، ما إن تنعكس اضطرابات في أسواق الأسهم.
ويعتقد أن وزير الخزانة سكوت بيسنت كان من أكثر الذين دعوا إلى تعليق العقوبات وإعطاء مهلة.
غير أن لقب "تاكو" أثار غضب ترامب الذي أكد الثلاثاء أن الاستحقاق كان محددا بالأساس في الأول من أغسطس.
وأعلن خلال اجتماع للوزراء "لم أدخل أي تغيير، بل ربما توضيح".
وكتب "ندعوكم إلى المشاركة في اقتصاد الولايات المتحدة الاستثنائي، السوق الأولى في العالم بفارق كبير".
وبعث بحوالى عشرين رسالة هذا الأسبوع ولا سيما إلى الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك والبرازيل، يعلن فيها دخول الرسوم الجمركية المشددة حيز التنفيذ على منتجاتها التي تستوردها الولايات المتحدة.
ورأت إينو ماناك الباحثة في السياسة التجارية في مجلس العلاقات الدولية أن هذه الرسائل "هي أسلوب ترامب للتصدي لهذه التسمية".
وقالت لوكالة فرانس برس "يريد أن يظهر أنه لا يماطل بشأن الاستحقاق، بل إنه جاد بهذا الصدد".
وأضافت "لا شك أنه محبط لعدم رؤية سيل من الصفقات المتواردة".
أوضح وليام راينش المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن "التحول في خطابه من "لن يكون هناك تكلفة، الدول الأخرى ستدفع الثمن" إلى "سيكون هناك تكلفة على المدى القريب إنما مكاسب على المدى البعيد"، وضعه في موقع أكثر تعقيدا سياسيا".
ولطالما أكد ترامب أن الدول الأخرى ستدفع ثمن سياسته الجمركية، في حين أن الشركات الأميركية هي التي تتكبد الفاتورة في الواقع.
وقال راينش، المسؤول التجاري الأميركي السابق، "في ذهن الرأي العام، الرسوم مؤلمة، لكن الاتفاقات ستكون مكسبا".
وحذر من أنه في حال عدم التوصل إلى صفقات، فقد يستخلص الأميركيون أن سياسة ترامب غير مجدية وسيعتبرون إستراتيجيته فاشلة.
في هذه الاثناء، أعلن ترامب عن رسوم مشددة بنسبة 50% على واردات النحاس اعتبارا من الأول من أغسطس.
كما أكد وزير التجارة هاورد لوتنيك أن المسؤولين سيختتمون بحلول نهاية الشهر التحقيقات حول أشباه الموصلات والأدوية، ما قد يؤدي إلى فرض رسوم جمركية.
وقالت ماناك إن "هذا التوقيت ليس بالصدفة، فهو يطابق الاستحقاق الجديد في الأول من أغسطس، ما يزيد الضغط ويصرف الانتباه عن أي قصور في الصفقات التي يتم التوصل إليها ضمن هذه المهلة".
ويعتقد المحللون أن مؤيدي ترامب لن يعيروا اهتماما للمحادثات التجارية ما لم تؤد الرسوم الجمركية إلى زيادة التضخم.
وقالت إميلي بنسون مسؤولة الاستراتيجية في شركة "مينرفا تكنولوجي فيوتشرز" إن "السياسة التجارية ليست في طليعة اهتمامات الناخب العادي".
وبرأيها، فإن تركيز إدارة ترامب على تعزيز قطاع التصنيع الأميركي وإعادة تنشيط الصناعات الدفاعية يشير إلى أنها مستعدة لتحمل التبعات السياسية لهذه القرارات من أجل تحقيق أهدافها.
غير أن هذا يتطلب من الإدارة موازنة دقيقة وصعبة.
فمن المرجح بنظر ماناك أن يبدي الناخبون اهتماما اكبر في حال نفذ ترامب تهديداته بفرض رسوم جمركية مشددة في مطلع أغسطس.
وقالت "قد نرى أيضا رد فعل سلبيا من السوق، لن يمر بدون أن يترك أثرا".