قفزة الذهب تثير السؤال.. هل حان وقت الادخار أم البيع؟
يسابق الذهب الأرقام القياسية هذا الأسبوع ويعيد طرح سؤال عملي: هل ما يحدث فرصة ادخار ذكية أم فخ توقيت قد ينقلب سريعا؟
وفق
رويترز، تجاوز المعدن الأصفر 4300 دولار للأونصة صباح الجمعة، مسجلاً مستوى قياسيا عند 4378.69 دولارا ومتجها لأفضل أداء أسبوعي منذ 17 عاما، فيما تصف
بيزنيس إنسايدر، نقلا عن محلّلة في غولدمان ساكس، الارتفاع الحالي بأنه قائم على "طلب حقيقي" لا على هوس مضاربات، بينما تشرح
بلومبرغ كيف تدفع موجة "الملاذ الآمن" وصناديق المؤشرات والمشتريات المركزية الأسعار إلى مناطق غير مسبوقة، وما الذي قد يوقف الزخم.
الذهب يكسر ٤٣٠٠ دولار.. ماذا يعني لمدخراتك؟
بحلول 06:15 بتوقيت غرينتش، صعد الذهب في المعاملات الفورية 0.8% إلى 4359.31 دولارا بعد قفزة قياسية سابقة، وارتفع 8.6% هذا الأسبوع مسجلا أفضل أداء أسبوعي منذ سبتمبر 2008.
وزادت العقود الأميركية الآجلة لتسليم ديسمبر 1.6% إلى 4372.1 دولارا.
وأشارت رويترز إلى أن المزاج الدافع نحو الملاذات يشمل الفضة أيضا التي لامست مستوى قياسيا عند 54.35 دولارا وتتجه لمكاسب أسبوعية بنحو 8%، بينما يتحرّك البلاتين والبلاديوم صعودا أسبوعيا رغم تراجعهما اليومي الطفيف.
هذه الأرقام تعني عمليا أنّ من يدخر بالذهب رأى قفزات سريعة في القيمة خلال أيام قليلة، لكنها تعني أيضا حساسية عالية لأي خبر معاكس.
هل الطلب حقيقي؟.. بنوك مركزية وصناديق مؤشرات
بيزنيس إنسايدر تنقل عن محللة غولدمان ساكس، لينا توماس، أن الارتفاع "ما يزال قائما على الأساسيات، لا على الهوس"، موضحة أن المصارف المركزية تشتري "كميات قياسية" وأن المستثمرين الأفراد يواكبون تلك المشتريات مع خفض الاحتياطي الفيدرالي للفائدة.
وتؤكد أن ما يجري "عودة إلى الوضع الطبيعي بعد سنوات من التخصيص المنخفض"، لا موجة مصطنعة.
في السياق نفسه، تذكر بلومبرغ أن حيازات صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب ارتفعت إلى أعلى مستوى في أكثر من ٣ سنوات، ما يعكس اندفاعا مؤسسيا يرسّخ الطلب بدلا من أن يضعفه.
لماذا يعدّ ملاذا آمنا في أوقات الاضطراب؟
بحسب بلومبرغ، جاذبية الذهب الحديثة تأتي من الاستقرار والسيولة أكثر من أي منفعة عملية، فهو يميل إلى الارتفاع تاريخيا في أوقات الضغط.
تخطّى ألف دولار بعد الأزمة المالية العالمية، و2000 دولار خلال الجائحة، و3000 دولار في مارس مع خطط الرسوم الجمركية.
وتضيف بلومبرغ أن الذهب يتحرّك عكس الدولار غالبا، وعندما ضعف الدولار في منتصف سبتمبر إلى أدنى مستوى في أكثر من ٣ سنوات أمام سلة من العملات، بات الذهب أرخص لحائزي العملات الأخرى، ما يدعم الطلب العالمي.
هذه الحركية تعني للقارئ أن عوامل الفائدة والدولار ليست خلفية تقنية فحسب، بل مفاتيح مباشرة لقيمة مدّخراته.
تؤكد بلومبرغ أن البنوك المركزية صافي مشتر للذهب منذ 15 عاما، وأن وتيرة الشراء تضاعفت بعد تجميد أصول البنك المركزي الروسي، ما أبرز هشاشة الأصول الأجنبية أمام العقوبات.
في عام 2024، اشترت البنوك المركزية أكثر من ألف طن للعام الثالث على التوالي وتحتفظ بنحو خُمس الذهب المُستخرج تاريخيا.
كما تشير بلومبرغ إلى استمرار الشراء في الصين على مدى 11 شهرا حتى سبتمبر، ومساعي بنك الشعب الصيني لأن يصبح جهة وصاية لذهب سيادي أجنبي، فيما تُخزّن دولٌ كثيرة ذهبها لدى بنك إنكلترا الذي تضم خزائنه أكثر من 5 آلاف طن.
هذا الثقل المؤسسي يعني أن موجات الشراء أو التوقف عنها قادرة على ترجيح كفّة الاتجاه، ما يهم أي مدخر يراقب الإشارات الكبرى.
دروس السبعينيات.. حين يسرّع الخوف الارتفاع
تستعيد بيزنيس إنسايدر حقبة السبعينيات بعد إنهاء نظام بريتون وودز وربط الدولار بالذهب، فقد أدّى التحرير وتضخّم تلك المرحلة وأزمة النفط والمخاوف الجيوسياسية إلى ارتفاعات حادّة.
تقول لينا توماس إنّ "الخوف يتحرك بسرعة" في سوقٍ أصغر بكثير من السندات والأسهم، ما يجعل الأسعار قابلة لاندفاعات سريعة عندما يتزايد الطلب.
وتضيف بيزنيس إنسايدر أن غولدمان ساكس رفع توقّعه لسعر ديسمبر 2026 إلى 4900 دولار للأونصة، وأن آراء مثل راي داليو (الذي نصح بتخصيصٍ قد يصل إلى 15% للذهب) وجيمي دايمون (الذي اعتبر الاحتفاظ ببعض الذهب "منطقياً جزئياً" الآن) تعكس قناعة متنامية لدى مؤسسات وأفراد.
رياح مساعدة.. فائدة أقلّ وتوتّرات أعلى
تربط رويترز بين رهانات خفض الفائدة الأميركية وتدافع المستثمرين نحو الذهب، مشيرة إلى دعم من عضو الفيدرالي كريستوفر والر لخفض إضافي بسبب مخاوف سوق العمل، وتوقّعات السوق لخفض 25 نقطة أساس في اجتماع 29-30 أكتوبر وخفض آخر في ديسمبر.
كما تربط رويترز الزخم بتصاعد التوتر التجاري الأميركي الصيني، بما في ذلك الجدل حول قيود الصين على صادرات المعادن الأرضية النادرة، وهو ملف يعمّق حذر المستثمرين.
هذه العوامل، إلى جانب استمرار إغلاق الحكومة الأميركية الذي ذكرته بلومبرغ، تزيد جاذبية الملاذات.
الدولار والتسويات.. ما الذي قد يوقف الموجة؟
تحذّر بلومبرغ من أنّ الذهب دخل منطقة غير مسبوقة، متجاوزا ذروة 1980 المُعدلة للتضخم في سبتمبر، وأنّ نسبة الذهب إلى النحاس كانت في أوائل أكتوبر عند الشريحة 99.7 المئوية تاريخياً، ما يعكس قلقاً اقتصادياً مرتفعاً.
وتضيف أن ارتفاع الدولار، أو انفراج التوترات التجارية، أو اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا قد يضغط على الأسعار نزولا.
ورغم الزخم، فإن حيازات صناديق الذهب لا تزال دون ذروة 2020، ما يعني مساحة محتملة للمزيد لكن مع قابلية لتصحيحات.
لمقارنة التقييم، تذكر بلومبرغ أن نسبة الذهب إلى مؤشر S&P 500 كانت نحو 0.6 مطلع أكتوبر، أي أدنى بقليل من متوسط الـ٢٠ عاما، ما يوحي بأن الارتفاع ليس مبالغا فيه مقارنة بالأسهم، لكنه يظل معرضا لتغير المعطيات الكلية.
الفضة تتحرّك مع الاتجاه الصاعد
تنقل رويترز أن الفضة ارتفعت إلى 54.35 دولارا وتتجه لمكاسب أسبوعية بنحو 8%، مقتفيةً أثر الذهب.
وتشرح بلومبرغ أن امتلاك الذهب ليس مجانيا بسبب كلف التخزين والتأمين وهوامش فوق السعر الفوري.
وتورد بلومبرغ أن مخاوف رسوم على واردات السبائك رفعت سابقا عقود كومكس فوق الأسعار الفورية بلندن قبل أن تُعلن الإدارة الأميركية في أبريل استثناء الذهب من الرسوم، ثم توضيح الرئيس الأميركي لاحقا بعد ارتباك أحدثته تصريحات جمركية بأن الذهب لن يخضع لضرائب استيراد.