قرارات مصرفية جديدة.. هل تفك سوريا ارتباطها المالي ببيروت؟
تساؤلات كثيرة أثارتها خطوة وصفت بأنها قد تعيد رسم خريطة النظام المصرفي في سوريا: ما الذي يدفع سوريا اليوم للاعتراف بانكشاف مصارفها على لبنان؟ وهل تمهّد هذه الخطوة لقطيعة مالية بين البلدين أم لإعادة هيكلة؟
ففي سابقة لافتة، ألزم مصرف سوريا المركزي البنوك التجارية بتكوين مخصصات مقابل خسائرها في لبنان، وتقديم خطط لإعادة الهيكلة خلال ٦ أشهر، في خطوة تهدف، وفق السلطات، إلى إصلاح قطاع أنهكته الحرب والعقوبات ونقص السيولة، لكنها في الوقت نفسه كشفت عمق الارتباط المالي بين النظامين المصرفيين السوري واللبناني، منذ سنوات الودائع التي ضاعت في الانهيار المالي لبيروت.
إعادة تشكيل القطاع المصرفي السوري.. ما علاقة لبنان؟
أمر مصرف سوريا المركزي البنوك التجارية بتكوين مخصص مقابل خسائر انخفاض القيمة المرتبطة بالانهيار المالي في لبنان وتقديم خطط موثوقة لإعادة الهيكلة خلال ٦ أشهر، في خطوة من شأنها إعادة تشكيل القطاع المصرفي المتعثر في البلاد.
ويلزم التوجيه الصادر في 22 سبتمبر البنوك بالاعتراف بكامل انكشافها على النظام المالي اللبناني، حيث أودعت البنوك السورية أموالا خلال الحرب الأهلية في البلاد.
ويقول مسؤولون سوريون إن هذا القرار يأتي في إطار جهود أكبر لإصلاح القطاع المصرفي الذي عصفت به الحرب التي استمرت 14 عاما وكذلك العقوبات الغربية، وللمساعدة في معالجة أزمة السيولة التي كبلت النشاط الاقتصادي.
"بعض البنوك تبحث عن مستثمرين جدد"
قال ٣ مصرفيين سوريين لرويترز إنّ هذا الأمر دفع بعض البنوك إلى البحث عن مستثمرين جدد أو استكشاف فرص استحواذ أجنبية.
وقال حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية لرويترز "سيتعين على (البنوك) تزويدنا بخطة موثوقة لإعادة الهيكلة، بدأ العدّ التنازلي الآن".
وأضاف "إنها قادرة على إيجاد سبل مختلفة للقيام بذلك، بطرق تشمل البنوك الشقيقة في لبنان أو من خلال الشراكة مع مؤسسات دولية أخرى".
انكشاف كبير للبنوك السورية
قال الحصرية إن انكشاف المصارف التجارية السورية على لبنان كبير ويزيد عن 1.6 مليار دولار.
ووفقا لحسابات رويترز المستندة إلى التقارير المالية لكل المصارف التجارية الـ١٤ في سوريا لعام 2024، والتي نشرتها بورصة دمشق، تمثل هذه نسبة كبيرة من إجمالي الودائع في القطاع المصرفي التجاري السوري والبالغ 4.9 مليارات دولار.
ومن بين المصارف الأكثر تضررا، بنك الشرق وفرنسبنك وبنك سوريا والمهجر وبنك بيمو السعودي الفرنسي وشهبا بنك وبنك الائتمان الأهلي، وكلها بنوك لبنانية الأصل افتتحت فروعا لها في سوريا في العقد الأوّل من القرن الـ٢١.
ولم يردّ أي من هذه المصارف على طلبات للتعليق.
"العقوبات دفعتهم إلى لبنان؟"
يقول مصرفيون إنهم لجأوا إلى لبنان خلال الحرب الأهلية السورية، ولم يكن لديهم خيارات كثيرة أخرى بسبب العقوبات الغربية التي بدأ رفعها تدريجيا منذ سقوط النظام السوري السابق.
لكن هذه الودائع أصبحت محتجزة عندما انهار النظام المصرفي اللبناني في عام 2019.
ولم يعتمد لبنان حتى الآن خطة لحلّ الأزمة رغم أن المسؤولين اللبنانيين يقولون إنهم أحرزوا تقدما ملحوظا بشأن "قانون الفجوة المالية" لتحديد كيفية إعطاء الأولوية لتعويض المتضررين عن خسائرهم.
البنوك تنتقد قصر المهلة الممنوحة
انتقد بعض المصرفيين السوريين قصر مدّة المهلة الممنوحة للامتثال لتوجيه تكوين مخصص.
وقال أحد المصرفيين "القرار في حدّ ذاته مبرر، لكن المهلة ليست كذلك".
وينفي المسؤولون السوريون وجود أيّ دوافع سياسية.
وذكر الحصرية أنّ هذه الخطوة تأتي في إطار جهد أكبر للالتزام باللوائح التي أهملتها الحكومة السابقة.
وأضاف "لا نريد أن يتعرّض أي بنك لمشكلات، لكن الإنكار ليس حلا أيضا.. ننتقل من إنكار اتبعه النظام القديم إلى الاعتراف بالمشكلة وحلّها".
وقال ٣ مصرفيين سوريين إنّ بعض البنوك المتضررة تجري محادثات، لا تزال في مراحلها المبكرة، مع مؤسسات مالية عربية، مثل بنوك مقرّها الأردن والسعودية وقطر، بشأن عمليات استحواذ محتملة.
وذكر الحصرية أنّ الحكومة تهدف إلى زيادة عدد البنوك التجارية العاملة في سوريا إلى المثلين بحلول عام 2030، وأن بعض البنوك الأجنبية بصدد الحصول على تراخيص.
وأحجم عن الإدلاء بتفاصيل، وأرجع ذلك إلى سرية العملية.