الذهب يتراجع ليقفز أعلى.. لماذا لا تهدأ رهانات المستثمرين؟
يسجّل الذهب أرقاما غير مسبوقة هذا العام، متجاوزا حاجز 4000 دولار للأوقية ومحققا طلبا عالميا هو الأعلى منذ بدء تسجيل البيانات، لكن خلف هذا البريق تلوح إشارة حمراء: هل بلغ المعدن النفيس ذروته فعلا؟
بين شراء ضخم من البنوك المركزية وصناديق الاستثمار من جهة، وتراجع في استهلاك المجوهرات وضعف الطلب الصناعي من جهة أخرى، تتباين القراءات حول مستقبل الذهب مع اقتراب الفيدرالي الأميركي من خفض جديد للفائدة وهدوء التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.
فهل ما نشهده تصحيح مؤقت في مسار صاعد طويل الأمد، أم بداية انعطافة في دورة الذهب التي أغراها خوف الأسواق من التضخم والدين والمخاطر الجيوسياسية؟
الطلب العالمي يسجل ذروة جديدة
بحسب مجلس الذهب العالمي، ارتفع الطلب العالمي على الذهب، بما في ذلك التعاملات خارج السوق (OTC)، بنسبة 3% على أساس سنوي ليبلغ 1313 طنا، وهو أعلى مستوى فصلي في سجلات البيانات. كما قفزت قيمة الطلب بنسبة 44% لتصل إلى مستوى قياسي قدره 146 مليار دولار في الربع الثالث.
وأوضح المجلس أنّ الطلب منذ بداية العام ارتفع 1% ليصل إلى 3717 طنا، بقيمة بلغت 384 مليار دولار، أي بزيادة سنوية قدرها 41٪.
ووفق التقرير نفسه، قاد المستثمرون هذا الارتفاع، إذ بلغ الشراء عبر صناديق المؤشرات المتداولة (ETF) 222 طنا، فيما واصل الطلب على السبائك والعملات الارتفاع للربع الرابع على التوالي عند 316 طنا.
كما بقيت مشتريات البنوك المركزية مرتفعة عند 220 طنا، بزيادة 28% عن الربع السابق، رغم أنّ إجمالي الشراء منذ يناير بلغ 634 طنا، أي بوتيرة أبطأ من العام الماضي.
أمّا استهلاك الذهب في صناعة المجوهرات، فقد تراجع بنسبة مزدوجة للعام السادس على التوالي إلى 371 طنا تحت ضغط الأسعار القياسية، في حين ارتفعت القيمة بنسبة 13% إلى 41 مليار دولار.
وأشار المجلس إلى أنّ الطلب الصناعي كان أضعف قليلا، مع توازن تأثير الذكاء الاصطناعي وضغوط الرسوم الأميركية وارتفاع الأسعار.
المستثمرون في مقعد القيادة
قال مجلس الذهب العالمي، في تقرير منفصل نقلته رويترز، إنّ الطلب الاستثماري قفز 17% في الربع الثالث بقيادة الهند والصين، بينما ارتفعت التدفقات إلى صناديق الذهب المتداولة في البورصة بنسبة 134٪.
وقدّرت البيانات أنّ البنوك المركزية زادت مشترياتها 10% لتصل إلى 219.9 طنا في الربع الثالث، ليبلغ إجمالي مشترياتها منذ يناير 634 طنا، وهو أقلّ من مستويات الأعوام الـ٣ الماضية لكنه ما يزال أعلى بكثير مما قبل عام 2022.
وقالت لويز ستريت، كبيرة محللي الأسواق في المجلس، إنّ التوقعات تجاه الذهب تبقى إيجابية مع استمرار ضعف الدولار الأميركي وتوقعات خفض الفائدة وخطر الركود التضخمي، وهو ما قد يعزز الطلب الاستثماري.
الأسعار ترتفع بدعم الفائدة والتجارة
ووفق رويترز، ارتفعت أسعار الذهب في المعاملات الفورية إلى نحو 4034 دولارا للأوقية، متجهة لتحقيق مكاسب للشهر الـ٣ على التوالي بلغت 4.5% حتى الآن، فيما بلغت العقود الأميركية الآجلة 3955 دولارا للأوقية.
وجاء هذا الصعود بعد أن خفّض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية للمرة الثانية هذا العام، ليبقى سعر الفائدة بين 3.75% و٪4.
وأضافت رويترز أنّ الاتفاق التجاري المؤقت بين الولايات المتحدة والصين دعم الأجواء الإيجابية، بعد إعلان الرئيسين دونالد ترامب وشي جين بينغ خفض الرسوم الجمركية مقابل تعاون بكين في مكافحة تجارة الفنتانيل واستئناف مشتريات فول الصويا والحفاظ على صادرات المعادن الأرضية النادرة.
توقعات متباينة للفيدرالي والاتجاه القادم
أشارت رويترز إلى أنّ الأسواق تتوقع بنسبة 74.8% خفضا جديدا للفائدة في ديسمبر، انخفاضا من 91.1% قبل أسبوع، بعد تصريحات حذرة لرئيس الفيدرالي جيروم باول.
وأفادت وول ستريت جورنال بأنّ أسعار الذهب تتجه لتحقيق مكاسب شهرية تفوق 4% رغم التراجع الطفيف بداية الأسبوع، مرجّحة بقاء الأسعار مرتفعة خلال الأسابيع المقبلة بدعم من مشتريات البنوك المركزية، وفق محللي شركة BMI.
وفي السياق نفسه، أوضح تقرير صادر عن بنك UOB أنّ العوامل الأساسية الداعمة للذهب على المدى الطويل ما تزال قائمة رغم التصحيح الأخير، وتشمل استمرار الاستثمار المؤسسي والفردي في المعدن الأصفر كوسيلة لتنويع آمن للمحافظ في ظلّ تنامي السرد المتعلق بإزالة هيمنة الدولار.
كما نقلت الصحيفة عن البنك رفع توقعاته للأسعار إلى 4 آلاف دولار في الربع الرابع 2025، و4100 دولار في الربع الأول 2026، و4200 في الربع الثاني، و4300 دولار في الربع الثالث 2026. وسجّل الذهب الفوري في نيويورك ارتفاعا نسبته 0.2% إلى 4031.53 دولارا للأوقية.
تصحيح قصير وفرصة شراء جديدة
وفي تحليل نشرته ماركت ووتش (MarketWatch) ضمن زاوية Outside the Box، رأت المقالة أنّ الذهب بلغ ذروته على الأرجح هذا العام، لكن التراجع الحالي لا يشكّل إنذارا للبيع، بل فرصة سانحة للمستثمرين على المدى الطويل لزيادة مراكزهم.
وأوضح التحليل أنّ المشكلات الهيكلية، مثل ارتفاع مستويات الدين والعجز المالي والمخاطر الجيوسياسية، لا تزال قائمة، وأنّ التقلّبات قصيرة الأجل الناتجة عن قرارات البنوك المركزية أو التطورات في التجارة الأميركية- الصينية لا تنهي الاتجاه الصعودي العام للذهب.
وأشار إلى أنّ اجتماع الفيدرالي الأميركي هذا الأسبوع سيكون عاملا محوريا في تحديد مسار الذهب على المدى المتوسط، وأنّ تبنّي الفيدرالي لنبرة تيسيرية عبر خفض الفائدة أو تصريحات داعمة قد يدفع الأسعار إلى الانتعاش مجددا.
وختمت ماركت ووتش بالقول إنّ "الذكاء في التموضع الاستثماري يكمن في تحقيق بعض الأرباح، والاستعداد لزيادة المراكز عند الانخفاضات المقبلة، لأن الضعف القصير لا يُنهي الاتجاه الصعودي للذهب".