هل تطيح الفضة بعرش الذهب في رالي المعادن النفيسة 2025؟
في 2025، لا تسير أسواق المعادن النفيسة على القواعد القديمة. الفضة، التي طالما وُصفت بـ"المعدن الشيطاني" بسبب تقلباتها الحادة، تصدّرت السباق بصعود يقارب 71٪ متفوّقة على الذهب نفسه، بينما واصل المعدن الأصفر زحفه الهادئ مدعوماً بتوقّعات خفض الفائدة.
بين قفزات الفضة القياسية، ورالي البلاتين والبلاديوم، وسجل الذهب التاريخي كملاذ آمن، تبرز إشكالية أساسية: هل يعيد رالي 2025 توزيع الأدوار داخل نادي المعادن النفيسة، أم أننا أمام موجة مضاربات فوق أساس قديم اسمه الذهب؟
الفضة تشعل الشاشات.. أرقام قياسية على أرض عطشى
بحسب شبكة CNBC، تفوّقت الفضة على الذهب في 2025 مع نمو يقارب 71٪ مقابل نحو 54٪ للذهب، وسجّلت ذروة تاريخية عند 54.47 دولاراً للأونصة التروية في منتصف أكتوبر، في ثالث محطة فقط خلال 50 عاماً تبلغ فيها هذه المستويات. وبعد تراجع جزئي، عادت الأسعار للارتفاع رغم شحّ الإمدادات.
رويترز تكمّل الصورة، الفضة قفزت لاحقاً إلى مستوى قياسي جديد عند 56.78 دولاراً للأونصة، رابحةً 6.1٪ في جلسة واحدة و16.6٪ خلال شهر، في وقت تتجه كلّ المعادن النفيسة لتحقيق مكاسب أسبوعية وشهرية متزامنة.
تقرير CNBC يوضح أن إنتاج مناجم الفضة تراجع خلال الأعوام الـ١٠ الماضية، خاصة في أميركا الوسطى والجنوبية، بينما هبطت مخزونات الفضة في خزائن لندن التابعة لاتحاد سوق السبائك (LBMA) من نحو 31,023 طناً مترياً في يونيو 2022 إلى نحو 22,126 طنا في مارس 2025.
رونا أوكونيل، رئيسة تحليل أسواق أوروبا والشرق الأوسط وآسيا في StoneX، تقول للشبكة إن الوضع وصل إلى مرحلة "لم يعد فيها عمليا أي معدن متاح في لندن"، ما دفع المتعاملين إلى دفع معدلات إيجار قصيرة الأجل تعادل أحياناً فائدة سنوية بنحو 200٪ لإغلاق مراكزهم.
طلب صناعي وتكنولوجي يغيّر قواعد اللعبة
إلى جانب شحّ الإمدادات، تقف التكنولوجيا خلف جزء من رالي الفضة. وفق "مسح الفضة العالمي 2025" الذي تنقله CNBC عن معهد الفضة، بدأ الفائض الأساسي في السوق يتحوّل خلال الـ١٢ شهرا الماضية إلى عجز بفعل ٣ محركات، كهربة أسطول المركبات، والذكاء الاصطناعي، والخلايا الكهروضوئية للطاقة الشمسية.
بول سايمز، من Invesco، يشرح للشبكة أن السيارة الكهربائية القياسية تحتوي اليوم على نحو 25 غراما من الفضة، وقد تصل الكمية إلى 50 غراما في المركبات الأكبر حجما، بينما قد تحتاج المركبة الواحدة إلى كيلوغرام أو أكثر إذا انتقل السوق إلى بطاريات الحالة الصلبة المعتمدة على الفضة.
هذا "الجسر" بين معدن نفيس ومكوّن صناعي، كما يصف سايمز، يضع الفضة في قلب التحوّل إلى اقتصاد أكثر اعتماداً على الكهرباء.
على الرسوم البيانية، تنقل رويترز عن جيم ويكوف من Kitco Metals أن الإشارات الفنية للفضة تحوّلت إلى مزيد من الميل الصعودي خلال الأسبوع الأخير، ما جذب المضاربين المعتمدين على التحليل الفني لفتح مراكز شرائية جديدة.
الذهب يخطط على المدى الطويل.. الفدرالي في الخلفية
رغم كل الأضواء المسلّطة على الفضة، لم يخرج الذهب من الصورة.
رويترز تشير إلى أن الذهب الفوري ارتفع بنحو 1.3٪ ليصل إلى نحو 4210- 4254 دولارا للأونصة، متجهاً لتحقيق مكاسب أسبوعية بنحو 3.6٪ وشهرية تبلغ 5.2٪، ولتكون هذه الزيادة الشهرية الرابعة على التوالي.
بارت ميليك، رئيس استراتيجية السلع العالمية في TD Securities، يقول لرويترز إن التوقع السائد هو "اقتصاد أبطأ" باتجاه 2026، مع احتمال كبير لخفض أسعار الفائدة، وهذا ما يعيد بعض المستثمرين إلى الذهب، الذي يستفيد تقليديا من بيئة الفائدة المنخفضة.
وبحسب أداة "فيد ووتش" التابعة لمجموعة CME، ارتفع تقدير السوق لاحتمال خفض الفائدة في ديسمبر إلى 87٪ مقابل 50٪ قبل أسبوع واحد.
مجلة Forbes تعيد وضع الذهب في سياقه التاريخي في تقرير بعنوان "اختر بريقك.. الذهب أم الفضة؟"، إذ تذكّر بأنه الملاذ الآمن المفضّل خلال فترات التضخم واضطراب أسواق الأسهم، وخيار البنوك المركزية كأصل احتياطي.
المجلة تقدّر العائد السنوي للذهب بنحو 7.7٪ خلال العقد الماضي مقابل 6٪ تقريبا للفضة، وتشير إلى أن قيمة الذهب ارتفعت بأكثر من 9000٪ منذ الستينات، مقارنةً بنحو 4000٪ للفضة.
بلاتين و"ذهب الفقراء".. سباق بدائل المعادن النفيسة
رالي 2025 لا يتوقّف عند الفضة. في تقرير آخر لـForbes يستند إلى أرقام مجلس الاستثمار العالمي في البلاتين (WPIC)، ارتفع البلاتين بنحو 75٪ منذ بداية العام، متفوّقا في أدائه على الذهب، بعدما صعد من نحو932 دولارا للأونصة إلى نحو 1,637 دولاراً، مع تحرّك متوازٍ تقريباً في سهم شركة "فالتيرا بلاتينوم" المدرجة في لندن، الذي ارتفع بنحو 73٪.
التقرير يوضح أن البلاتين والبلاديوم، إلى جانب الفضة، يُنظَر إليها كـ"معادن الرجل الفقير" مقارنةً بالذهب، لكنها استفادت من عجوزات عميقة في المعروض منذ 2023 استنزفت المخزونات فوق سطح الأرض من 5.5 ملايين أونصة إلى نحو 3.2 ملايين أونصة.
وفي الوقت نفسه، يتوقع مجلس الاستثمار العالمي في البلاتين أن تتحوّل السوق في 2026 إلى حالة توازن تقني مع فائض متواضع بنحو 20 ألف أونصة فقط، بفعل زيادة الإمدادات بنسبة 4٪ من إعادة تدوير محفّزات السيارات والخردة والمجوهرات، ما قد يبدّل معنويات المستثمرين تجاه هذا المعدن.
من خزائن لندن إلى حقول الهند.. من يشتري ومن يراكم؟
تقرير CNBC يسلّط الضوء على الهند كأكبر مستهلك للفضة في العالم، بنحو 4000 طن متري سنوياً تُستخدم في المجوهرات والأواني والزخارف، في اقتصاد يعتمد فيه نحو 55٪ من السكان على الزراعة.
تنقل الشبكة عن رونا أوكونيل أن المزارعين يميلون إلى الذهب، ومؤخرا الفضة، كخيار ادخاري أول عند وصول عائدات الحصاد، خاصة في موسم الخريف الذي يتزامن مع مهرجان "ديوالي".
في المقابل، تشير Forbes إلى أن نسبة الذهب إلى الفضة، أي عدد أونصات الفضة اللازمة لشراء أونصة ذهب واحدة، بلغ متوسطها التاريخي خلال العقود الأخيرة نحو 60 إلى 1، في حين تدور حالياً بين 85 و90 إلى 1.
هذه النسبة المرتفعة تعني، بالنسبة لبعض المستثمرين، أن الفضة مقوّمة بأقل من قيمتها نسبيا، ما يعزز شهية من يبحث عن "ذهب الفقراء" إلى جانب الذهب التقليدي.